تقى المجالي من ذوي الإعاقة البصرية تبحث عن الإنصاف: أريد حقي في التوظيف

تقى المجالي
تقى المجالي
ربى الرياحي عمان- يأتي هاشتاغ "الإنصاف لتقى المجالي"، الذي أطلقته الدكتورة تقى المجالي، خلال الأيام الماضية، لإيصال صوتها وزملائها من ذوي الإعاقة ورفع التمييز ضدهم في الحصول على الحق بالعمل. تطرح تقى التي تعاني من إعاقة بصرية قضية مهمة ومصيرية بالنسبة لفئة تبحث عن الاستقلالية والأمان وأيضا لديها الكثير من الأحلام لتكون منجزة وفعالة في المجتمع. وظيفة مناسبة هي كل ما يطلبه أشخاص اجتهدوا وسهروا الليالي من أجل أن يحققوا ذواتهم ويكونوا كما أرادوا أشخاصا منتجين يخدمون الوطن بخبراتهم وطاقاتهم. وتقى واحدة من كثيرين، ربما لم تشفع لها شهاداتها العليا وحصولها على تقدير امتياز من جامعة مؤتة في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، هي درست واجتهدت وأبت إلا أن تتميز وتضع بصمتها الخاصة في مجال القانون، وخاصة قانون الأشخاص من ذوي الإعاقة، لكن ذلك لم ينصفها حينما استبعدت من عشرات الوظائف التي قدمت لها فقط لأنها كفيفة. وفي حديثها الخاص مع "الغد"، تقول تقى "أعي جيدا أن وطننا يواجه مشكلات وتحديات كبيرة وأن البطالة هي إحدى أهم هذه المشكلات، لكن ليس من المنطق أن تضيع أعمارنا في الانتظار وليس من العدل في مكان أن نقف متفرجين على الحياة وهي تتسرب من بين أيدينا فقط لأننا نعاني من إعاقة ما". وتتساءل: "إلى متى ستبقى هذه الفئة مهمشة تقهر بسبب النمطية؟"، مبينة أنها تؤمن بإمكاناتها وبما لديها من شغف وحب للوطن، فهي قادرة على الإنجاز والتميز وليس فقط على العمل. تقول "قدمت في البداية بعد تخرجي لديوان الخدمة المدنية على بند الحالات الإنسانية، وذلك منذ 10 سنوات تقريبا لكن دون نتيجة"، فأبواب كثيرة طرقتها على أمل أن تحصد ثمار تعبها طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال حصولها على وظيفة تستحقها وتمنحها القدرة على إثبات نفسها. هي، ولأن أحلامها لا تقبل أن تحجم تحت أي ذريعة، قررت أن تقدم للجامعات، محاولة إيجاد فرصة تناسبها وتظهر ما لديها من قدرات، فالبطالة بالنسبة لذوي الإعاقة، كما ترى، مزدوجة لأن الخيارات أمامهم محدودة جدا، وما تزال القوانين المتعلقة بتشغيلهم غير مفعلة بالصورة اللازمة، إلا أن كل تلك المحاولات لن تجني ثمارها. تقول "في كل مرة كنت أتقدم فيها لجامعة من الجامعات أحاول أن أوصل لهم أن كل ما أحتاجه حاليا هو اكتساب الخبرة وأن يفتح الباب لأقدم نفسي كإنسان متعلم ومجتهد"، فهي كشخصية قوية وواعية تمتلك طاقة وشغفا كبيرين لأن تكون كما تريد وكما يستحق طموحها الذي يرفض التمييز بكل أشكاله. تقى، ورغم كل العراقيل التي وقفت في طريق حلمها، أبت أن تستسلم وتتقبل الإقصاء غير المبرر، لذا توجهت للمعهد القضائي الأردني وهناك قدمت أوراقها بطريقة طبيعية كأي شخص دارس للحقوق ويحمل درجة الدكتوراه، وفعلا تمت الموافقة على قبولها، لكن فقدانها للبصر لم يمهلها طويلا؛ إذ إن إعاقتها حالت بينها وبين إكمالها لهذا الطريق. تبين تقى أنها استوفت كل الشروط المطلوبة إلا شرطا واحدا تم رفضها بناء عليه وهو شرط اللياقة الصحية، لافتة إلى أن هذا الشرط تحديدا تم إلغاؤه مؤخرا بتوصيات من قبل المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة وقد تم تعميمه كقرار على جميع مؤسسات الدولة. ووفقا للمادة 10ج من قانون المعهد القضائي، ينبغي أن تتوافر فيه الشروط الصحية المطلوبة لممارسة الوظيفة القضائية. ولكن في الوقت ذاته، فإن ‌المادة 5ب من قانون حقوق ذوي الإعاقة تنص على "لا تحول الإعاقة بذاتها دون اعتبار الشخص لائقاً صحياً للعمل والتعلم والتأهيل وممارسة جميع الحقوق والحريات المقررة، بمقتضى أحكام هذا القانون أو أي تشريع آخر متى كان مستوفياً للشروط اللازمة". لم يتوقف إقصاء تقى لكونها كفيفة عند هذا الحد فحسب، بل هناك العديد من الوظائف التي سعت للتقديم لها كأي مواطن فاعل من حقه أن يعمل ويخدم وطنه، كانت نتيجتها غير مرضية أبدا. وهنا تطالب تقى بمنح الأشخاص من ذوي الإعاقة فرصة التجربة والدخول إلى ميدان العمل والحكم على الشخص بناء على كفاءته فقط دون النظر إلى شكله أو إعاقته أو أي تصنيفات أخرى وأن يتم تقييمه بمعزل عن الأحكام المسبقة والتنميط. وتوضح أنها تمتلك المعدات والأجهزة التي تؤهلها للعمل ولأن تبدع وتحقق طموحاتها وأحلامها كما رسمتها وخططت لها. فهي قادرة على القراءة والكتابة والقيام بكل المهام تقريبا من خلال الأدوات التيسيرية المتوفرة لديها، فالتكنولوجيا، كما تؤكد، حلت الكثير من المشكلات بالنسبة للمكفوفين وغيرهم من ذوي الإعاقة. ووفق تقى، القضية ليست قضيتها وحدها بل هي قضية تخص جميع الأشخاص من ذوي الإعاقة، حيث ما تزال هذه الفئة تعاني أحيانا من الإقصاء رغم كل الاتفاقيات الدولية والقوانين. عملها مع المنظمات كمدربة ومستشارة قانونية لفترة طويلة أكسبها خبرة عمرها أكثر من 8 سنوات، وعن هذه المرحلة تقول "عملت مع أهم المنظمات الدولية ودربت في العديد من المؤسسات داخل البلد وهذا أضاف لي الكثير على المستويين الشخصي والعملي وتعلمت كيف يكون الانضباط في كل شيء، وكيف أعد الميزانيات وأخطط للمشاريع، وأيضا وجودي في مثل هذه البرامج علمني الصبر والعمل ضمن الفريق الواحد واحترام الإنسان كإنسان". إضافة إلى تقدير كل الطاقات وتقبل جميع الشخصيات على اختلافها.. وهي كشخصية شغوفة ومثقفة تحرص دائما على تطوير خبراتها وفي شتى المجالات تتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، إضافة إلى لغتها العربية الممتازة، وحاليا هي في صدد تعلم اللغة التركية. تقى، وبعد أن استنفدت كل المحاولات وشعرت أنه لم يعد هناك أي باب تطرقه، قررت أن تثير قضيتها، وتتحدث بلسان كثيرين تعبوا وسئموا الانتظار حتى فقدوا الأمل في التوظيف. كما سلطت الضوء على قضايا أخرى مهمة أيضا باتت تحديات تواجه ذوي الإعاقة وتحرمهم من أبسط حقوقهم. تقول "نحن جميعا بحاجة إلى حلول جذرية تخرجنا من العتمة إلى النور وبحاجة إلى توصيل صوتنا لأعلى المستويات وأن يكون لقضيتي صدى من خلال تناولها إعلاميا وطرح هموم وأوجاع فئة تبحث فقط عن تغيير حقيقي". هي كشخصية حقوقية لديها القوة والإمكانات، قررت أن تكون ملهمة لكثيرين ما يزالون يعانون، لذا فإن طرحها لمشكلتها ربما سيكون حافزا لغيرها وسيمكنهم جميعا من الوقوف يدا بيد في وجه كل العقبات ونيل حقوقهم كاملة كل ذلك بطريقة لبقة وقانونية. ورسالتها لجميع أصحاب العمل هي أن قانون رقم 20 للعام 2017 ينص على تشغيل ما نسبته 4 بالمائة من ذوي الإعاقة بحاجة لأن يطبق فعليا حتى يستطيع كل شخص من ذوي الإعاقة أخذ مكانه المناسب في سوق العمل، وهذا لن يتحقق إلا إذا سمح لهذه الفئة بأن تجرب وتبرز ما لديها من قدرات. كما تطالب تقى جميع الجهات بالابتعاد عن الانطباع المسبق والحكم على شخص لمجرد أنه من ذوي الإعاقة لأن ذلك سيخسره طاقة كبيرة وسيكون سببا في انطفائه ومنعه من أن ينجح، مؤكدة أن الأشخاص من ذوي الإعاقة فيهم المميز وفيهم الشخص العادي كبقية الناس وما ينصفهم فقط هو الكفاءة. وأما عن الهاشتاغ الذي تطمح لأن يصل لكل الناس، فتبين أنها تسعى من خلاله إلى إيصال رسائل عدة للمجتمع، أهمها أن الأشخاص من ذوي الإعاقة موجودون وأنهم سيبقون يطالبون بحقوقهم حتى نيلها، مبينة أن الملك عبدالله الثاني حفظه الله هو الداعم الأول لفئة ذوي الإعاقة، وقد حصل جلالته على أعلى وسام عالمي في حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة وتمكينهم، وهذا يؤكد بالطبع الإرادة السياسية في دعم هذه الفئة وتمكينها على كل المستويات. "يمكنك رؤية الضوء في أدق التفاصيل" هو شعار تؤمن به تقى وتستمد منه الثقة والعزيمة والتصميم على متابعة الطريق نحو حلمها الذي لطالما أحيته بالصبر والمثابرة والاجتهاد. وها هي اليوم تحظى بتأييد ودعم كبيرين ومن مختلف شرائح المجتمع، متمنية أن تصل إلى حقها وحلمها وتمكينها هي وجميع الأشخاص من ذوي الإعاقة. الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى لحقوق ذوي الإعاقة رأفت الزيتاوي، يبين لـ"الغد"، أنه تم التواصل مع تقى المجالي من قبل المجلس بعد تقدمها بشكوى رسمية تؤكد استبعادها من امتحان المعهد القضائي لكونها كفيفة، مشيرا إلى أنهم في المجلس قاموا على الفور بمخاطبة المجلس القضائي لإتاحة الفرصة أمام تقى لخوض الامتحان كغيرها بعيدا عن أي شكل من أشكال التمييز وذلك لأن الشروط كلها تنطبق عليها. وأضاف الزيتاوي "ليس هناك ما يمنع تقى من أن تمارس حقها بشكل طبيعي"، لافتا إلى أن قانون ذوي الإعاقة ينص على العديد من المواد المتعلقة بعمل الأشخاص، فمثلا المادة 4 تتضمن المبادئ العامة كالتمييز ضد الأشخاص من ذوي الإعاقة ووجوب محاربته وأيضا إتاحة تكافؤ الفرص بالنسبة لهم والسماح بدمجهم في المجتمع باعتبارهم جزءا مهما منه. والمادة 25 تحدثت عن ضرورة تهيئة أماكن العمل أمام هذه الفئة وعدم استبعادهم من أي وظيفة بسبب الإعاقة، والمادة 5 وفيها تأكيد أن الإعاقة بحد ذاتها لا تحول دون حقهم بالوصول للعمل والتدريب والتأهيل مساواة بالآخرين. وهذه المواد كلها، حسب قول الزيتاوي، وردت في القانون الخاص بذوي الإعاقة، وهي تكفل لهم بالطبع حق الوصول للعمل طالما تنطبق عليهم الشروط المطلوب توافرها. وقانون الأشخاص من ذوي الإعاقة هو قانون سار واجب التطبيق نابع من الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة، وقد تم مؤخرا مخاطبة وزارة الصحة من قبل المجلس الأعلى لإلغاء عبارة غير لائق صحيا من التقارير الطبية، وقد قام الوزير بتعميم هذا القرار على كل مستشفيات المملكة واللجان الطبية لكون ذلك يخالف قانون ذوي الإعاقة واعتبار الإعاقة جزءا من التنوع البشري. ويؤكد الزيتاوي أن المناقشات جارية حاليا مع المجلس القضائي على حل المشكلة والنظر في الترتيبات التيسيرية التي تسهل وصول الأشخاص من ذوي الإعاقة لمثل هذه الوظائف. ويتحقق هذا حتما إذا تم توفير كل الأدوات والتقنيات التيسيرية التي تمكن الأشخاص من ذوي الإعاقة من القيام بالمهام الموكولة إليهم على أكمل وجه. ووفق رأي الزيتاوي، فإن هذه المشكلة كانت موجودة في الدول المتقدمة وقد تم حلها وهناك نماذج ناجحة من ذوي الإعاقة على مستوى العالم تسلموا مناصب في مجال القضاء تطبيقا للاتفاقية الدولية. وتتابع حملة "ابني" ما تعتبره خرقا لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لاستثناء فتاة ذات إعاقة من التقدم للدبلوم التدريبي في المعهد القضائي الأردني. تدين حملة "ابني" ما جرى مع تقى المجالي، وتعتبره ترسيخا للنهج الرعائي للأشخاص ذوي الإعاقة وتعزيز النمطية في التوظيف الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة والتي تقتصر في كثير من الأحوال على وظائف بعينها في المؤسسات الحكومية. وتؤكد الحملة ضرورة سيادة القانون والتعامل على أساس العدالة وتكافؤ الفرص في قضايا حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا سيما أن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة للعام 2017 نص صراحة على تجريم التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة على أساس الإعاقة أو بسببها. وتستهجن الحملة اختيار المعهد القضائي الأردني الصمت في قضية أصبحت قضية رأي عام؛ حيث لم يخرج المعهد ببيان أو توضيح لما جرى مع تقى المجالي أو حتى توضيح لوسائل الإعلام. واعتبرت الحملة أن الفقرة (أ) من المادة 25 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تنص على "‌لا يجوز استبعاد الشخص من العمل أو التدريب على أساس الإعاقة أو بسببها، ولا تعتبر الإعاقة بذاتها مانعاً من الاستمرار فيهما"، أولى بالتطبيق في هذه الحالات باعتباره نص صراحة على منع التمييز. يشار إلى أن حملة "ابني" هي حراك مدني منظم في الأردن، انطلقت العام 2020 من قبل أشخاص ذوي الإعاقة وعوائلهم، لتشكيل مجتمع يحمي ويدافع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن. وحاولت "الغد" التواصل مع المعهد القضائي والمجلس القضائي الأردني للحصول على رد في قضية الكفيفة تقى المجالي ورفض تعيينها، لكن لم يتسن الوصول لرد في هذه القضية. اقرأ أيضاً:  اضافة اعلان