ربى الرياحي
عمان- بين الإصرار على الحياة والاستقلالية المادية وحق الأشخاص من ذوي الإعاقة بالعمل، تسرد الكثير من القصص المحملة بالتعب والألم والمخاوف، أبطالها أشخاص بحاجة لمن يؤمن بإمكاناتهم وبأنهم كغيرهم قادرون على العطاء والإنجاز والتحدي.
الحلم بإيجاد وظيفة مناسبة رغم عدم إكمالهم الدراسة، ليس مطلبا تعجيزيا، كما يراه البعض، بل هو حق مشروع وأساسي يمكنهم من الاعتماد على أنفسهم ويبعدهم عن حاجة الآخرين، فهم يمتلكون القدرة على تعلم كل ما هو جديد والتميز في مجالات عدة إذا أتيحت أمامهم الفرص وهيئت الطريق ليثبتوا جدارتهم واستحقاقهم للعمل.
لديهم إرادة القوية بالنجاح والتميز حتى وإن كان ذلك خارج حدود الشهادات الجامعية، حيث يرى ذوو إعاقة أن تفعيل القوانين المتعلقة بهم ما يزال بطيئا جدا ومحدودا تقيده العقبات البيئية والاجتماعية والنمطية السائدة.
معاناة الوظيفة.. ومستقبل محفوف بالمخاطر
غياب العدالة يقتل الكثير من الأحلام، بغصة تملأ القلب يتحدث الشاب أحمد أبو عبية (28 عاما) عن معاناته في البحث عن وظيفة؛ حيث إن فقدانه للبصر ليس أبدا مبررا لحرمانه من أن يعمل وتكون له وظيفة مناسبة تسنده وتوفر له الحياة الكريمة. ويتساءل بحرقة عن حقه في تأمين مستقبله والترفع عن حاجة الناس حتى لو كانوا أقرب الناس اليه.
ويوضح أبو عبية أن عدم قدرته على إكمال دراسته لا يعني أن عليه أن يعتزل الحياة وأن يبقى أسيرا للبيت، وأيضا أسيرا لإعاقته، فهناك أشخاص كثر من ذوي الإعاقة يحملون أكثر من شهادة جامعية ولم يمنحوا فرصة واحدة تمكنهم من دخول الحياة العملية، لافتا إلى أنه ومنذ فترة طويلة يواجه ظروفا صعبة وقاسية أوصلته إلى حد اليأس والإحباط.
هو كشاب يبحث عن الاستقلال المادي في كل شؤون حياته، يرفض الاتكال على عائلته وتحميلهم فوق طاقتهم لذلك، فلم يترك بابا إلا طرقه لعله يحظى بوظيفة تعطيه الأمان وتساعده على إعالة نفسه ويستطيع من خلالها تحقيق حلمه في أن يتزوج وتكون له حياته الخاصة والمستقلة بعيدا عن تدخل من حوله. لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، حسب قوله.
قدم أبو عبية لعدد من المصانع والشركات وطرح مشكلته على بعض المسؤولين من دون أي استجابة أو فائدة، فقد بات متأكدا من أن رفض أصحاب العمل تشغيله يرجع إلى كف البصر الذي يعاني منه منذ الولادة. يقول "أنا أريد فقط فرصة لأكون منتجا لي قيمة في المجتمع"، مبينا أنه حتى امتلاكه خبرة المقسم لم تكن كافية لإنصافه.
أما حازم جلال (35 عاما)، فهو الآخر يعاني من إعاقة حركية، ويوجه رسالة صريحة لكل صاحب عمل، بقوله "افتحوا المجال للأشخاص من ذوي الإعاقة أن يعيشوا بكرامة وأن يكونوا كغيرهم من الشباب ينجزون ويثبتون أنفسهم، فالإعاقة لم ولن تكون مقياسا لنجاح أو فشل صاحبها ومهم جدا أن تبتعدوا عن التعميم والأحكام المسبقة.. امنحوهم الفرصة ليجربوا".
ويبين حازم أن الظروف البيئية وقفت حائلا بينه وبين طموحه في إكمال دراسته، وهو اليوم وبحكم أنه أب لطفلتين بحاجة لوظيفة تعينه على تربيتهما وتأمين الحاجات الأساسية لأسرته، فهو لا يريد حسنة من أحد، كل ما يريده فرصة عمل وأن يكون له مصدر دخل ثابت، مشيرا إلى أن الحياة تزداد صعوبة وأن على جميع الجهات أن تتعاون لإيجاد حلول جذرية تنقذ الكثيرين من قيود البطالة وشعور العجز المرافق لها.
ويؤكد أن الأشخاص من ذوي الإعاقة يمكن تأهيلهم وتدريبهم على حرف تجعل فرصهم في التوظيف أكبر، لكن بشرط أن ينظر إلى الشخص صاحب الإعاقة بمساواة وإنسانية حتى يتسنى له أن يضع بصمته الخاصة بمعزل عن نظرات الشفقة والعطف وبالاعتماد فقط على ما بيده من إمكانات يمكن استغلالها وتوجيهها.
إحباطات يعيشها ذوو إعاقة
ومن جهة أخرى، تبين نور (30 عاما) وهي فتاة كفيفة لم يسعفها القدر لإكمال دراستها، أن شعورها المستمر بالفراغ وبأنها على الهامش يدخلها في نوبات من البكاء والاكتئاب.
عدم التفات أسرتها لأهمية الدراسة لها وخاصة أنها كفيفة، سبب لها متاعب وإحباطات وقلقا دائما، مشاعر سلبية تعيشها يوميا لدرجة أنها تشعر بالاختناق في كثير من الأحيان. هي ومن خلال معاناتها تقدم نصيحة لكل فتاة "ادرسي واحتمي بشهادتك، لا تقبلي أن تنزوي، بل صممي على أن تكوني مثمرة بعطائك ونجاحاتك"، محملة نفسها الذنب في توقفها عن الدراسة.
تقول نور "أصطنع المشاكل كثيرا داخل البيت وأنزعج لأبسط الأسباب.. أساعد والدتي في الأعمال المنزلية لكن ذلك كله لم يخفف من شعورها بالملل"، منوهة إلى أنها كإنسانة محبة للحياة بحاجة لأن تتعلم حرفة تنفعها وتملأ بها وقتها وتكون ضمانا لها من غدر الأيام، فلا أحد يعلم ما يخبئ له القدر، الكل حولها دون استثناء لديه ما يشغله، أما هي فلا شيء بيدها تفعله سوى انتظار الفرج أن يحدث ما يغير لون الحياة في عينيها.
الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو، يبين أن قضية تشغيل الأشخاص من ذوي الإعاقة هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة والشركات ومؤسسات المجتمع ككل؛ وأيضا مسؤولية الأسرة والشخص صاحب الإعاقة، ومن المهم إيجاد مراكز خاصة تعنى بتدريب هذه الفئة وتأهيلها حتى تكون جاهزة للدخول إلى سوق العمل. وهذا الدعم، وفق الغزو، يجب أن يشمل المتعلم وغير المتعلم لأن من حقهم كأشخاص أن يعيشوا بكرامة وأن تحترم إنسانيتهم بعيدا عن أي تصنيفات تبرر التمييز بشتى أشكاله.
شعور الأمان حاجة أساسية لذوي الإعاقة
ويرى الغزو أن على الدولة، بمؤسساتها كافة، الأخذ بأيدي الأشخاص من ذوي الإعاقة وعدم الاكتفاء بتدريبهم فقط، فهم بحاجة ماسة إلى وظائف يستطيعون من خلالها إعالة أنفسهم وخدمة مجتمعهم. الى ذلك، منحهم الأمان من خلال إتاحة فرص العمل أمامهم وتأمينهم بمهن تناسبهم، ما يحررهم حتما من العوز والفقر والخضوع للآخر، وهذا بالطبع كله يمكنهم من أن يستقلوا ماديا ونفسيا ويكونوا سعداء بكل ما يحققونه من إنجاز.
هؤلاء الأشخاص، كما يؤكد الغزو، على اختلاف إعاقاتهم، قادرون على العطاء والتميز إلى أقصى حد إذا هيئت أمامهم السبل ووجدوا من يدعمهم داخل الأسرة أولا، وذلك بعدم التقليل من شأنهم والاهتمام بهم قدر الإمكان وتوعيتهم بأن لهم حقوقا وعليهم واجبات، والوقوف إلى جانبهم بهذه الطريقة يقويهم ويجعلهم يطرقون كل الأبواب بثقة أكبر.
ويلفت إلى أن من حق الشخص من ذوي الإعاقة أن يمارس حياته بشكل طبيعي وأن يشعر بأنه إنسان له قيمة ومكان في المجتمع، فقد آن الأوان لأن تتغير كل المفاهيم الخاطئة والنمطية القاصرة والتصورات المسيئة تجاه فئة ذوي الإعاقة.
ويشدد الغزو على ضرورة الانتقال من التنظير إلى التطبيق العملي على أرض الواقع، معتمدين في ذلك على تكامل الأدوار بين جميع الجهات المعنية وتنفيذ كل ما يطرح من برامج خاصة بتشغيل أفراد هذه الفئة وتمكينهم مهنيا.
ويشير إلى أن هذه الفئة جزء مهم وأساسي من المجتمع، لذا يجب حماية أفرادها ودعمهم منذ اللحظات الأولى لأن ذلك كله سيزيد من ثقتهم بأنفسهم لاحقا وسيجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع من حولهم ونظرتهم إيجابية تجاه الحياة، مؤكدا دور الإعلام في تناول قضايا ذوي الإعاقة وإبرازها، إضافة إلى تسليط الضوء على نماذج مميزة منهم.
تدريب لنحو 517 طالبا من ذوي الإعاقة
إلى ذلك، توضح ريزان الكردي مدير وحدة تكافؤ الفرص في المجلس الأعلى لحقوق ذوي الإعاقة لـ"الغد"، حجم الجهود المبذولة من قبل المجلس الأعلى لحقوق ذوي الإعاقة في مجال العمل وتشغيل أكبر عدد ممكن منهم.
وفي مجال العمل، تشير الكردي إلى أن المجلس يعمل على أكثر من جانب بداية من توقيعه اتفاقية مع مؤسسة التدريب المهني والتعاون معها لتهيئة بيئة المعاهد لديها وتدريب كوادرها بحيث يكونون أهلا للتعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة، إضافة إلى وضع برامج تناسب الإعاقات على اختلاف أنواعها ومتابعة ذلك كله. وتنوه إلى أهمية توعية الأشخاص من ذوي الإعاقة وتحديدا الذين لم يحالفهم الحظ في أن يكملوا دراستهم بوجود مثل هذه المؤسسات وما تقدمه لهم من دعم.
ومن خلال المجلس، تقول الكردي "ننادي بتكافؤ الفرص وبالسماح للأشخاص من ذوي الإعاقة أن يختاروا ما يناسب ميولهم وقدراتهم بعيدا عن فكرة النمطية لكونها تحجم إمكانات الشخص وتحد من طموحه"، كما يتم التركيز أيضا على تهيئة المعدات والأدوات المستخدمة في عملية التدريب كل حسب إعاقته.
وتبين الكردي أنه حتى هذا التاريخ تخرج نحو 517 طالبا من ذوي الإعاقة، وأن هناك عددا منهم حصلوا على وظائف تناسبهم سواء كان ذلك من خلال مشاريع خاصة بهم أو ترشيحهم من قبل المجلس لورشات تدريبية تعقدها بعض شركات القطاع الخاص، لافتة إلى أنهم في المجلس قاموا مؤخرا بتأسيس وحدة دعم المشاريع بقصد تشجيع الشركات والمؤسسات على تشغيل أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة وتأهيلهم حتى تكون لهم مساحة أكبر في سوق العمل.
ويعمل المجلس أيضا، حسب قول الكردي، بالتعاون مع ديوان الخدمة المدنية على تدريب أشخاص من ذوي الإعاقة يحملون درجتي الدبلوم والبكالوريوس ممن درسوا تخصصات راكدة وتأهيلهم مهنيا. وهناك أيضا تعاون بين المجلس ووزارة العمل للتأكد من تطبيق النسبة المنصوص عليها في القانون.
ووفق الكردي، هناك إقبال من قبل بعض الشركات على دعم هذه الفئة وتشغيلها، لكنه ما يزال متواضعا لا يرقى إلى المستوى المطلوب، معللة ذلك بالقول إن تغيير الاتجاهات النمطية تجاه ذوي الإعاقة حتما يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين ومن جميع الأطراف.
تمكين ودمج ذوي الإعاقة بالبرامج التدريبية أولوية
مدير مديرية الاتصال والإعلام في مؤسسة التدريب المهني جميل سامي القاضي، يبين لـ"الغد" أن المؤسسة معنية بتوفير فرص التدريب للجميع، والأشخاص ذوو الإعاقة جزء من هذا المجتمع، والمؤسسة حريصة على تقديم فرص التدريب النوعي لهم.
وبإمكان الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية البسيطة أو السمعية أو البصرية التسجيل في البرامج التدريبية المتاحة، ويتواجد 8 معاهد لديها القدرة البيئية على استقبال ذوي الإعاقة الحركية، ويجري العمل حالياً بالشراكة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على زيادة تأهيل ثلاثة معاهد هي؛ الرصيفة، معهد الأميرة تغريد في الكرك، معهد المفرق، لتقديم خدمات التدريب ورفع كفاءة العاملين، ومواءمة برامج التدريب لتتناسب مع تلقي التدريب المهني المتميز والحصول على حقهم في التعليم والتدريب؛ حيث يتم إعفاؤهم من بدل خدمات وأجور التدريب وتوفير التدريب المجاني لهم، وتوفير التسهيلات البيئية لتعزيز إمكانية وصولهم للخدمات التدريبية المقدمة.
وينوه القاضي، إلى أن مركز التأهيل والتشغيل المهني في الرصيفة مخصص لتدريب ذوي الإعاقة فقط ضمن العديد من البرامج التدريبية المتاحة فيه مثل النجارة، مشغل آلة درزة، تمديدات صحية، حلاق رجال، التجميل، التجليد، الطهي، صناعة الحقائب الجلدية، حيث تم تخريج 120 متدربا/ـة خلال الأعوام (2019-2021)، وتم تأمين 70 % منهم بفرص عمل بالقطاع الخاص، ويتواجد حالياً 94 متدربا/ـة في العام التدريبي 2021-2022.
خطط استراتيجية لتقديم التدريب النوعي
ويلفت القاضي الى أن المؤسسة، وضمن الشراكة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تسعى باستمرار إلى تضمين حقوققهم ضمن خطتها الاستراتيجية وتوفير التجهيزات والأدوات التي تلزم لتقديم التدريب النوعي لهم، ورفع كفاءة العاملين مع هذه الفئة الغالية من خلال الدورات التخصصية في التعامل معهم ولغة الإشارة وغيرها.
ويشير القاضي إلى التزام المؤسسة بموجب الاتفاقية الموقعة مع المجلس بدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في برامج التدريب المهني وتأهيلهم وتدريبهم، وتقديم الخدمات التدريبية النوعية بشكل مجاني، وتضمين مفهوم خدمة المرافق الشخصي للأشخاص ذوي الإعاقة في البرنامج التدريبي كبار السن وتوفير المخصصات المالية لتهيئة المعاهد التدريبية، لتصبح نموذجية ودامجة للأشخاص ذوي الإعاقة لتمكينهم وتأهيلهم مهنياً ومعرفياً ليكونوا مواطنين منتجين في المجتمع وتمكينهم مهنياً للحصول على فرصة اقتصادية توفر العيش الكريم لهم.
اضافة اعلان