"رماد الأحلام".. حوارات وسيناريوهات رشيقة للراحل جميل عواد

عزيزة علي

عمان- صدر، بدعم من وزارة الثقافة، عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في الأردن، رواية الفنان الراحل جميل عواد "رماد الأحلام"، وذلك قبل رحيله بأشهر قليلة.اضافة اعلان
يقول الفنان الراحل في مقدمته لهذه الرواية، إن القلم رافقه قبل أن يلتحق بالمدرسة، وكان يرسم خطوطا عشوائية وأوهم نفسه بأنها كلمات تروي حكايات، وبعد أن تعلم القراءة والكتابة، قام بإعادة كتابة حكايات الطفولة، ولم يطلع عليها أحدا، مبينا أنه تمرس على الكتابة سرا، إلى أن قرر خوض معركته العلنية، فكتب للصحف الخاطرة والمقالة والقصة القصيرة، قبل أن يكتب النصوص المسرحية للصغار والكبار والسيناريوهات التلفزيونية والسينمائية.
ويشير إلى انه يغبط أصدقاءه كتاب الرواية لقناعته بأن القلم لا تكتمل دورته إلا في حقل الرواية، لكن انشغاله بالتمثيل على خشبة المسرح وخلف ميكروفون الإذاعة وأمام كاميرات التلفزيون والسينما، وممارسة الرسم بوتيرة متقطعة، حال دون خوض تجربة عالم الرواية.
وعن سبب كتابته لهذه الرواية في هذا العمر (84 عاما)، قال: "قررت ألا أخرج من الحياة دون أن أحمل معي روايتي الأولى، وحاولت أن تكون متفردة غير مستنسخة، وسيلاحظ القارئ أنها لا تحمل اسم أي من شخصياتها، أو البلاد التي تدور فيها الأحداث، كما حاولت أن أصب فيها بعض قناعاتي وأفكاري".
ويقول إنه لم يكتب من أجل الناقد والمحللين، بل قال: "كتبتها لي ولمن يحب أن يقرأها، ليس بالضرورة أن تنصاع للتصنيف الأكاديمي، قد تكون حكاية أو قصة أو حدوتة، وهذا لا يلغي كونها رواية بالنسبة لي، يكفي أني تمتعت خلال فترة كتابتها التي استغرقت حوالي عام".
الرواية اشتملت على العديد من الشهادات الإبداعية التي كتبها أصدقاء عواد من الروائيين والفنانين؛ حيث رأى الروائي هاشم غرايبة أنها رواية موجعة وخفيفة الظل في آن معا تبدأ بحشد متنوع من البشر ثم تتصفح الوجوه والمهن وتتسلل للنفوس والمشاعر. تبدأ من مخدة مغبرة برماد الذكريات وتتكئ على الابنة والزوجة كإطار السرد.
السرد ينساب عبر حوارات وسيناريوهات رشيقة. الحوار ينقل دراما الحياة -حياتنا- بأوجاع ناسها وتشوقاتهم اختيار مهنة الصحفي للراوي الجوال جاء متسقا مع لغة السرد المقتضبة والمكتنزة بالمعاني الطبقية والبعد الحازم في مواجهة التفاهة والخنوع. انحياز واضح وكبير ومقنع للمهمشين والمظلومين مع الحرية وضد الرأسمالية. مع الإنسان والحق والجمال ضد القبح والاستثمار والظلم ويبقى غبار الرماد عالقا بحلق القارئ بعد أن يغلق الكتاب.
أما المخرجة الفنانة جولييت عواد وهي زوجته، فقد قالت "بعد قراءتي رواية (رماد الأحلام)، لأكثر من مرة، تبين لي لغز قد يكون الكاتب أخفاه وترك للقارئ اكتشافه".
وتتابع "الكابوس الذي افتتحت به الرواية استمر حتى نهايتها، وكل الأحداث هي ليست أكثر من كابوس، حتى لحظات الانفراج هي لمحات أحلام تتخلل الكابوس وتعود إليه، رماد الأحلام كابوس متقن الصياغة بلغة أنيقة وواضحة".
ورأى الفنان التشكيلي محمد العامري، أنها رواية "تشي من عتبة النص على تراجيديا تقدم مقطعا طاعنا بالمأساة لشعوب طالها الظلم وسكن فيها، حيث تعتمد الرواية على التقنية الدرامية المشهدية في توصيف الحركة والصوت وصولا الى التدقيق بالتفاصيل، ونلحظ ذلك في وصف الباب مثلا، فقد قامت الرواية كذلك على الحوار بصورة رئيسة، حوار بين أفراد عائلة مثقفة وقارئة، وهي نقد لديستوبيا وقعت على الشعوب من قبل السلطات السياسية".
وقالت الدكتورة هناء البواب "إن الرواية سعت إلى إعادة تفكير الراهن بالراهن، أو بجعل المعاصرة تنظر الى نفسها في مرآة نفسها، لا لتنفي ما سبقه أو تلغيه، أو أنها تعتبر ما كان غير ذي جدوى، بل إن الرواية تحاول جعل كل ما يفرض الحداثة كواقع أو كرهان، بل كإكراه وقدر، هو نفسه ما يستدعي التقليد والتراث، ويستدعي الماضي، لأنه جزء من بنية هذا الفكر الذي عرفناه في هذا الرجل، وهو بدوره، نوع من القدر الذي ما يزال يدعونا لمساءلته، والنظر فيه بأكثر من عين، وبأكثر من سؤال ورؤية ومنهج، وكأننا أمام حكايات لا حكاية واحدة".
ومن جهته، تساءل الروائي رشاد أبو شاور في شهادته التي وردت ضمن الشهادات عن الذي دفع الفنان الكبير جميل عواد الى كتابة روايته الأولى وهو في الرابعة والثمانين من العمر، فيقول "جميل عواد فنان متعدد المواهب لم يتوقف عن تقديم رؤيته في أحوال الأمة، وانحدارها، وبؤس أوضاعها".
ويضيف "في هذه الرواية يقول بلغة (مضبوطة) وهذا سر جماليتها، ودقتها، فلا استفاضات ومحسنات للتجميل، بل يذهب الى هدفه مباشرة. تنهار كل الأحلام، ولا يبقى سوى الرماد، لكن الحياة تستمر".
ويذكر أن الفنان جميل عواد هو أحد أعمدة الفن الأردني وصاحب تاريخ عريق، فهو ممثل وكاتب ومخرج أردني، اشتهر بأدوار الحزم والشدة، ويعد من جيل الرواد في الفن الأردني، وصدرت هذه الرواية، وهي أول أعماله الروائية، قبل رحيله بأشهر قليلة، قدم عواد العديد من الأعمال الفنية في التلفزيون، وعلى خشبة المسرح وفي السينما، وحصل على جائزة تقديرية لفيلم "الغصن الأخضر"، وجائزة عن فيلم "السوسنة".