"عجز" عائلات أمام الالتزامات المادية يفرض تحديات نفسية واجتماعية

منى أبوحمور بدأت عزلته بعد أن أغرقته الديون والالتزامات المادية التي تفوق دخله الشهري بأضعاف، ليعيش حالة من القلق ويختبر الخوف على لقمة العيش وحده، ولا يغادره سيناريو مستقبل أطفاله الخمسة كلما أغمض عينيه. لم يعد خوفا وقلقا الذي يعانيه الأربعيني محمد خالد، بل تجاوزه إلى عزلة وانسحاب اجتماعي وتفكير دائم ومستمر بما سيحدث بعد وقت أصبح غير قادر على إيفاء التزاماته الشهرية والأسعار في ارتفاع مستمر والرواتب تتآكل. ويقول خالد “شعرت بضيق صدر وكأن الدنيا أطبقت علي، لم أعد أرغب برؤية أحد.. رغم أنني أعلم أن لكل شخص مشاكله وهمومه، لكن مشاعر القهر كانت تزداد كلما رأى فيديو أو حالة لمعارفه على الواتس أب أو فيسبوك يشعر حينها بالوحدة وأنه لا أحد يشعر معه ومشكلته فقط هو من يعاني منها فتزيد لديه حالة الكآبة”. الحالة النفسية الصعبة التي عاشها خالد في ذلك الوقت أخذت وقتا طويلا ونالت أيضا من صحته. الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها الكثيرون والالتزامات التي تتضاعف يوما بعد يوم، أفرزت أعباء نفسية وأخرى اجتماعية أثقلت كاهل الناس وتسببت في مضاعفة مشاعر القلق والتوتر والخوف مما هو قادم. التزامات تتراكم ومتطلبات حياة صعبة، ودخل يتضاءل فيدخل الشخص بدوامة كبيرة لا يعرف الخروج منها، هكذا عبر الخمسيني محمد تميم عن واقع الحال. ويلفت تميم إلى أن كثيرا من الناس يعتقدون أن الأعباء المادية والديون التي تتراكم على بعض الأفراد هي نتاج لسوء إدارتهم، متناسين أن متطلبات الحياة تتغير والتضخم الاقتصادي بازدياد، يدفع ثمنها أصحاب الدخول المتواضعة. حالة القلق والخوف تطارد أصحاب الدخل المحدود وتقلق راحتهم وتزيد من خوفهم الكبير حول تأمين لقمة العيش وتدخلهم في حالة من الاكتئاب والخوف حد المرض النفسي، ما يزيد من الفجوة الكبيرة في العيش التي كرستها مواقع التواصل الاجتماعي لتزيد من احتقان الناس وتعزز شعورهم بالظلم. “الأمر لا يتعلق بتحقيق الأحلام والأمنيات”، تقول ليلى “وإنما بتأمين حياة كريمة”، لافتة إلى أن عدم قدرة أحد الوالدين على تأمين لقمة العيش والإيفاء بالالتزامات أو حتى الحصول على دعم معنوي ونفسي عند الوقوع في مشكلة، يشعر بأنك تعيش في هذا العالم وحدك وأن مصيرك ومصير عائلتك أمر يعنيك وحدك، الأمر الذي يزيد من مشاعر الخوف والقلق والرهبة من الأيام القادمة، وفي كثير من الأحيان تدفع الإنسان للانسحاب عن العالم الخارجي. الاستشاري التربوي والنفسي الدكتور موسى مطارنة، يشير، بدوره، إلى أن الظروف الحياتية والمتغيرات التي حصلت في المجتمع سواء اقتصاديا أو سلوكيا أو اجتماعيا أفرزت مشكلات نفسية واضطرابات عدة. ويلفت مطارنة إلى أن المتغيرات أثرت في البنية الأساسية في المجتمع، سواء بوضع الأسرة غير المستقر وعدم تمكن رب الأسرة من الإيفاء بالمستلزمات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم التمكن من الإنفاق، وحتى في تأثر العلاقات الاجتماعية سلبا نتيجة التكنولوجيا والالتفاف حولها بشكل كبير. ويبين مطارنة أن السير خلف المظاهر أمر منتشر، وكثيرون يعانون من هذه الأمراض في محاولة عيش حياة سعيدة ومثالية لا تشبه أوضاعهم الاقتصادية، لكن مع الوقت يدفعون ثمن كل ذلك. ويؤشر مطارنة أيضا على ثيمة سلبية، وهي انتشار القيمة المادية وأحيانا الأنانية التي تعتمد على المصلحة والمنفعة، بعيدا عن ثيمة العطاء، مبينا أهمية المساندة النفسية في الحياة من قبل الآخرين وفي العلاقات الأسرية ذاتها. “هذه الظروف كلها تسببت بضيق نفسي لدى الكثيرين وحالة من الانغلاق الذاتي والضغط النفسي والقلق والتوتر الذي شاب الحياة الاجتماعية”، وذلك نتيجة انشغال كل شخص بمشاكله الاجتماعية والاقتصادية ومتطلبات الحياة التي لا تنتهي وتتضاعف يوما بعد يوم، وحالة التعب والبحث عن عيش كريم فقط. هذه الظروف مجتمعة، بحسب مطارنة، تتسبب بتدني مستوى تقدير الذات وتدخل البعض في حالة من العزلة وتؤدي لحالة من الإحساس بالنقص والضعف الهزيمة الذاتية. اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، يؤكد أن التغير الكبير الذي حدث على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية أوجد نوعا من القلق والخوف المستمرين، خصوصا للأشخاص العاملين والشعور بالقلق والتفكير الدائم والخوف من المستقبل والأيام القادمة. ويلفت الغزو إلى أن شعور الخوف والقلق قد يكون بسيطا في البداية ولكن يتطور مرة بعد أخرى، ويتحول من حالات بسيطة إلى شديدة متجاوزا الحد المسموح به من المؤقت إلى المستمر حتى يصبح مريضا نفسيا. ووفق الغزو، فإن مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت بتأزيم أكبر، وجعلت المشاكل أكثر تعقيدا من خلال ما يشاهده الشخص من فيديوهات وأخبار، مبينا التلوث النفسي المجتمعي الذي خلفته الوسائل الرقمية والتسبب بالاضطرابات، وذلك للإفراط في استخدام تلك الوسائل، ما ضاعف من حجم الاكتئاب والقلق الذي يمتد أحيانا لعنف. ويختم الغزو حديثه، بأن الظروف الاجتماعية وفقدان روح التعاون والمحبة، يزيدان من السلبية تجاه النفس والآخرين ومن ضعف العلاقات الاجتماعية التي يفترض أنها قائمة على المحبة والإنسانية. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان