سارة زايد
عمان-كثيرة هي الأفلام التي تحدثت عن قسوة ووحشية السجان، كذلك اعتداءاته المفرطة التي قد تنبثق من العدم، فقط، من أجل الإذلال والسطوة ليس إلا.
في السينما، نادراً ما يحوز السجان على تعاطفنا، فغالبا هو خصمنا. كما أن كراهية منظومة السجون جزءٌ لا يغيب عن صورة الفن السابع، إذ أصبح متأصلاً بثيمته وثقافته.
فلا يكون السجان إلّا الأنموذج الأقرب للدون السيكوباتي، ولا يكون السجين إلا إنسان بروحٍ سوية تُخطىء وتُصيب.
لا ندعم في التقرير الإجرام، ولا نلقي بالاً بالسفاحين، ولا نناصر أياً منهم، ولكننا نتحدث عن فكرة واحدة يتفق عليها من يبصرون نور الحق والكرامة:
فيلم حرائق..الغوص في هول الحروب الأهلية
حرائق هو قصة توأمين، "سيمون وجين"، اللذان علما بعد وفاة والدتهما "نوال" من خلال وصية تركتها، أن والدهما الذي لم يتعرفا عليه مطلقاً، لا يزال على قيد الحياة وأن لديهما أخاً منه.
تغادر الابنة “جين" مونتريال متجهةً إلى الشرق الأوسط، لبلدٍ لا يُشار إليه بعينه، لكنه مسقط رأس الأم، حيث اشتعل هناك فتيل الطائفية والحروب الأهلية.
[caption id="attachment_1097836" align="alignleft" width="364"]

مكسيم جوديت و ميليسا بولان من فيلم حرائق[/caption]
يعود المخرج الكندي دينيس
فيلنوف إلى الماضي، يرينا الأم "نوال" وهي فتاة مسيحية تجمعها علاقة حب بشاب فلسطيني مسلم، تحمل منه فتتبرأ منها عائلتها، للتوجه إلى جدتها لمساعدتها على ولادة الطفل.
تحين لحظة الإنجاب، ليقتادوا الطفل، خوفاً عليه من القتل بدافع غسل العار إلى دار الأيتام، فيقوموا بوشم ثلاث نقاط على كعب قدمه، ليتسنى لهم التعرف عليه حينما يكبر.
"ماذا لو كان واحد زائد واحد يساوي واحداً؟"
تنتقل "نوال" إلى بلد آخر يحتضن آلامها ويقيها من أعين الناس، وفيه، تقوم بإعطاء دروس في اللغةِ الفرنسية، لتتعرف من خلال عملها على ابنة أحد قادة المليشيات الموالية لإسرائيل.
وفي لحظةٍ مصيرية، تشتعل في روحها نيران انتقامية، بعد إقصائها عن حبيبها الفلسطيني، وتخليها القسري عن ابنها.
تَقتُلُ "نوال" القائد بطلقةٍ من مسدسٍ مصوباً نحو رأسه مباشرةً، ليحكم عليها بالسجن مدة 15 عاماً.
وقبل انتهاء محكوميتها بأشهر بسيطة، يأتي إلى السجن جلادٌ يطلق عليه اسم "أبو طارق"، يُعرَف بوحشيته وبربريته، فيغتصبها وتحمل منه توأميها "سيمون وجين".
لينتهي الفيلم بفلاش باك، قبل وفاة "نوال" بمدة زمنية قصيرة، عندما تُفجَع برؤية مغتصبها صدفةً في بركة السباحة، وقد وُشِم على كعب قدمه ثلاث نقاط، ليتضح أن "أبو طارق" هو شقيق التوأمين ووالدهمها، جلاد الأم.. نوال مروان.
فيلم "أميرة".. بطولة أسطورية لم تكن بحاجة إلى الكثير من التفنُّن.
"أميرة"، فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً، لم تشاهد والدها "نوّار" في أي مكانٍ آخر عدا في غرفة الزيارة في السجن الإسرائيلي حيث يُحتَجز.
[caption id="attachment_1097841" align="alignleft" width="300"]

صبا مبارك وتارة عبود من فيلم أميرة[/caption]
تم إنجاب "أميرة" بعد تهريب نطف من والدها الأسير في سجون الاحتلال، ولطالما اعتُبرت ابنة بطل فلسطيني أسير تبنَّى القضية وحملها على عاتقه إلى حد التضحية بحريته.
لا نعرف الكثير بعد عن فيلم "أميرة"، فهو لم يُعرض حتى الآن سوى في المهرجانات السينمائية الدولية، كان ذلك قبل أن يعلن مخرج العمل المصري "محمد دياب"، الخميس، تعليق عرضه وسحبه من منافسات الأوسكار.
كانت
حبكة الفيلم الرئيسة سبباً واضحاً في استنفار الكثير ممن اعتبروه مجحف بحق الأسرى، إذ يشكك بنسب أطفالهم، ويُسيء للواقع القاسي الذي لا يحتمل العبث به
"محمد دياب" و"دينيس فيلنوف".. هل المبالغة في الخيال تخدش الحقيقة ؟
بين فيلم خدش حقيقة تمس مشاعر الفلسطينين، وعمل كندي بالغ فنيا في استجداء العواطف الانسانية حيال قضية معاناة المرأة في سجون الاحتلال.
إذا؛ يبرز التساؤل المشروع لدى المُشاهِد: لماذا نُضيف على الفيلم أحداثاً خارقة تُفسِد وتبخس من قيمة المعجزة الحاصلة أساساً؟
هل يُفترض من أجل أن نبتكر حبكة غير مألوفة أن نتجه إلى إثرائها بأحداث صادمة حد اللا معقولية، بميلودراما سيئة غير قابلة للهضم؟
قد يبرر البعض أن الأحداث من وحي الخيال، لكن جذور الفيلمين وقضايا الأسرى متينة تضرب في أرض الواقع، لا تخول لنا إنماء أحداثٍ وهمية فوقها.
فنحن بالنهاية لا نشاهد فيلما خياليا يروي لنا قصة عاطفية؛ فنحن نتحدث عن أسرى من لحمٍ ودم أُلتِهم في كل لحظة أسر، ودمٌ نزفَ كثيراً في سبيل الحرية.
ما يُزعج بفيلم "أميرة" حسب المشاهدين هو العبارة التي تسبِق اختتام الفيلم، والتي تؤكد أن نسب كافة الأطفال المولودين عبر تهريب النطف مؤكد ومعلوم.إذاً، فلما خالف الفيلم معلوماته بطريقة مستفزة للجمهور، وتتسبب في خلق الكثير من المغالطات؟
الكاتب الفلسطيني "محمود جودة"، يستذكر قول الروائي الفلسطيني "إبراهيم نصر الله": أنَّ الحكايات الّتي لا نكتبها تصبح ملكاً لأعدائنا.
وهذا ما حصل تماماً عندما أصبحت قصص صراعاتنا في أيدي غريبة، تطرَحُ قضايانا "كفانتازيا" ركيكة، بحجة الإبداع، لكنها تفتقر إلى كل ما يُفضي إلى الإبداع.
اضافة اعلان