"كارثة اللويبدة".. صغار يحتاجون دعما نفسيا واحتواء عاطفيا يوفر لهم الحماية

تغريد السعايدة “ماما أنا بخاف توقع عمارتنا مثل عمارة اللويبدة”.. هواجس خوف وتشتت أصابت الطفلة ألما (6 اعوام)، اضطرتها إلى النوم في حضن والدتها لأيام، بعدما علمت أن أطفالاً توفاهم الله وذهبوا إلى “الجنة” على حد تعبيرها، لتقف الأم عاجزة عن مواساة ابنتها والتخفيف من القلق الذي ينتابها. تقول والدة ألما أنها تحاول مساعدة ابنتها على تجاوز تلك المشاهد الأليمة وأن تزيل تلك التوقعات من تفكيرها، وتتساءل الأم “اذا كان هذا حال أطفالنا من بعيد فما هو حال أطفال العمارة الناجين وأقاربهم والجيران من ذات المنطقة؟”. مقابلات صحفية مع ناجين من موقع العمارة المنكوبة، حيث كان هناك أطفال بدا على محياهم الخوف والتشتت، وغياب التركيز في الحديث، بل ويتحدثون بصوتٍ مرتجف، جعل منهم اشخاصا يعيشون قصة ألم وفاجعة وفقدان للامان لا تنسيها الأيام والسنون بسهولة. قد يراها البعض شجاعة أن يتحدث طفل، كما فعل الطفل الناجي يوسف العباسي عن الطريقة التي أنقذ فيها شقيقه الصغير من تحت ركام العمارة، ولكن هي في ذات الوقت أحاديث مليئة بالخوف والرعب التي مرت به في تلك الاثناء. وخلال مقابلة للعباسي، كان يظهر القلق من حديثه عندما قال “انه شاهد وقوع الحائط وكيف تهدم المنزل”، ومن ثم يقول “راح البيت وراحت الشنتة” (الحقيبة المدرسية)، تلك الملاحظات في هذه الاوقات الصعبة كانت أيضاً دلالة على أن الطفل يمر في لحظات صدمة قد تظهر آثارها على المدى القريب والبعيد بشكلٍ عام، أو ربما يكون موقف ثابت في ذاكرته لا يفارق احلامه لسنوات، ويشارك أصدقاءه تلك الذكريات الاليمة. إسدال الستار على حادثة “عمارة اللويبدة” بعد إخراج آخر ضحية (الرابعة عشرة)، قبل أيام، لن يوقف الأحاديث وتداول الأخبار حول تبعات القضية وحالة الأهالي والأطفال الناجين. التأثير لن يكون فقط على “أطفال العمارة الناجين”، وإنما على كل طفل عاش تلك التفاصيل من المحيطين وفي كل مكان بالوطن، لذا، يكمن الحديث عن أهمية احتواء الأطفال، كونهم الأكثر تأثراً بالأحداث، خاصة في ظل انتشار الهواتف المحمولة في أيديهم وقدرتهم على الاطلاع على كل التفاصيل بشكل واضح. الاختصاصية في علم النفس الإكلينيكي فداء محمود ابو الخير، كانت قد قدمت وبشكل تطوعي منذ أول يوم في أحداث عمارة اللويبدة، جلسات دعم نفسي للمتضررين الناجين، وممن انفطرت قلوبهم بفقدان عزيز عليهم في تلك الحادثة. وتقول ابو الخير في حديثها لـ”الغد” إن الأطفال من المؤكد أنهم سيعانون من آثار نفسية، سواءً على المدى القريب والبعيد، إذ إن الذين شاهدوا الانهيار بطريقة مباشرة او غير مباشرة، سواء من سكان المنطقة أو من خلال الإعلام، سيتأثرون بهذه المشاهد عبر بعض الأعراض التي يمكن ملاحظتها. تلك الأعراض، وفق أبو الخير، يمكن على الأهل مراقبتها مثل الكوابيس المتكررة، أو التبول اللاإرداي، أو خوف من ترك الأهل، فقد يصاب بحالة من البكاء والصراخ الهستيري، أو رفض التوجه للمدرسة خوفاً من العودة ورؤية البيت قد اصبح ترابا. كما يمكن أن تكون الأعراض كما تبين أبو الخير واضحة على المدى البعيد، مثل الاكتئاب وأعراض ما بعد الصدمة، والقلق المعمم، والمخاوف بشكل عام، ونوبات من الخوف غير المبرر وقلق الانفصال. لذلك، لا بد من أن يستعد البالغون المحيطون بالطفل لمساعدته على تجاوز تلك المرحلة والعلاج منها وذلك من خلال الدعم النفسي المباشر، والاستماع إلى المختصين، وهي ما تشببها أبو الخير بالإسعافات النفسية الأولية، ومحاولة التدخل مباشرةً كوقاية قبل أن تصبح هناك حاجة لإجراء علاجي دقيق، وهذا في المرحلة الأولى. المرحلة الأخرى، تبين أبو الخير أنها تشمل المدارس والمساعدة في تأهيل الصغار وتقديم الدعم لهم، سواء المتواجدين في نفس صفوف الأطفال الضحايا في هذه الأحداث، او الأطفال الناجين من الحادثة، إذ إن الطفل حتماً ستكون لديه ذكريات موجعة بحاجة للتعامل معها بالشكل السليم. ولكن تشدد ابو الخير على أن أكثر الأطفال الذين يحتاجون للدعم هم الناجون، حيث تعرضوا للكثير من الآلام والصورة المرعبة التي شاهدوها خلال سقوط منزلهم، وخوفهم من تبعات ذلك وما ستؤول اليه الامور، وقد تستمر تلك الأعراض بعد فترات طويلة، وتؤثر على نموهم ونضجهم الاجتماعي. لذا من المهم ان يكون التدخل ضمن اختصاصات إدارة الأزمات كذلك، ومراعاة مجموعة من العلاجات التي تعتمد على طبيعة الحالة وأعراضها. اختصاصية علم النفس والنمو الاستشارية الأسرية الدكتورة خولة السعايدة تبين أن الأطفال بشكل عام عندما يتعرضون لأحداث جديدة خارجة عن المألوف واكبر من قدرة الاستيعاب، فإنهم معرضون لـ”صدمات متتالية”، من الممكن أن تسبب لهم حالات قلق ومشكلات سلوكية وانفعالية، كونهم غير قادرين على إدارك ما حدث لهم من “كارثة” كما حدث في “عمارة اللويبدة”. ووفق السعايدة، فإن شعور الطفل بعدم الإدراك لأي موقف عصيب يمر به، يتطلب من المحيطين به أن يتعاملوا معه بطريقة مناسبة، كون طريقة التعامل معه في هذه الفترة قد تُبنى عليها أمور كثيرة في حياته، ومنهم من يتعامل بطريقة قد تزيد من وطأة الحدث على الطفل، وتزيد من حجم المشكلات لديه، وهناك من يجد الرعاية النفسية الكاملة التي قد تساعده على تجاوز الأزمة النفسية لديه. وتشير السعايدة إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لمثل هذه الحوادث يتفاعلون مع الحدث بحسب ما يقدمه لهم المجتمع المحيط من أهل واصدقاء، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي وما يتم طرحه من معالجة للحدث تؤثر على الأطفال، وقد يحتاج الطفل بناءً على هذه المعطيات إلى علاج يساعد على الحد من تطور سلوكيات معينة مرضية لديه، فإذا ما كان الإنسان البالغ العاقل يحتاج لعلاج في مثل هذه الحالات، فكيف يكون الحال لدى الأطفال. وتتابع السعايدة، مثل هذه الحوادث تعتبر أمورا مستغربة لدى الأطفال، وتجارب جديدة غير واضحة المفهوم، وقد يزداد حجم الأثر النفسي عليهم في حال كانت هناك حالات وفاة لأقارب أو أصدقاء، وفي مثل هذه الحالات، تكون هناك صدمة مضاعفة، حيث تتوالى مشاعر الحزن والخوف، بالإضافة إلى مشاهدة الشرطة والدفاع المدني ووسائل الإعلام التي تبحث عنهم لتسألهم عما حدث معهم في مقابلات قد تؤرشف ذلك الألم في حياتهم. وتشدد السعايدة على ضرورة أن يتلقى جميع الناجيين من عمارة اللويبدة، واقاربهم ومحيطهم، الدعم النفسي المباشر، وعلى الأهل أن يراقبوا أطفالهم فيما بعد للتعرف إذا ما كانوا ما يزالون تحت تأثير الصدمة ومدى حاجتهم للعلاج، كما أن الاطفال الذين نجوا من الحادثة هم بالتأكيد بحاجة لمتابعة من قبل اختصاصيين نفسيين والجلوس معهم وملاحظة أي علامات تظهر للتعامل معها بشكل سريع قبل ما تتفاقم. وانهارت يوم الثلاثاء الماضي عمارة بالكامل بشكل مفاجئ في جبل اللويبدة بالعاصمة عمّان، وهي مكونة من 4 طوابق، وتم إخلاء آخر جثة من تحت أنقاض العمارة المنهارة، ما يرفع حصيلة الحادث إلى 14 وفاة و10 إصابات، واستمرت عمليات البحث 84 ساعة، مرت بمراحل صعبة ومتعددة للعثور على جميع المحاصرين بحسب كشف الاستقصاء عن الموجودين داخل العمارة السكنية.اضافة اعلان