مسافة الأمان مع الآخرين.. هل تعد طوق نجاة من مواقف الخذلان؟

1695894785579557100
مسافة الأمان مع الآخرين.. هل تعد طوق نجاة من مواقف الخذلان؟

قد يكون شعور الخذلان من أصعب المشاعر التي يختبرها الإنسان من شخص عزيز على قلبه، ليعيش بعد ذلك حالة من الأوجاع النفسية، محاولا إعادة ترتيب نفسه والبقاء حذرا مع من حوله.

اضافة اعلان


ويمكن للخذلان أن يبدل من شخصية الفرد وتصرفاته، وقد يفقده جزءا من نفسه بلا إدراك منه، ليؤثر على حياته، وأيضا قد يفقده الأمل خوفا من التعرض للأذى من أشخاص وثق بهم وأعطاهم أولويات على نفسه، وفي بعض الأحيان كثرة تجارب الخذلان تجعل الفرد يخلق مسافة أمان لنفسه.


تعترف سارة (33 عاما)، أنها تغيرت بسبب موقف خذلان تعرضت له من قبل أعز صديقاتها، وبفضله تبدلت شخصيتها، بحسب قولها، مما دفعها لتضع مسافة مع من حولها وتكون حذرة في اختياراتها للأصدقاء.


أصبحت سارة شخصا أكثر هدوءا من قبل، وتحاول أن تبتعد عن المناقشات وكلمات اللوم والعتاب، مشيرة إلى أنها غدت شخصا لا يحب أن يعبر عما يشعر به لأي شخص مهما كانت غاضبة أو حزينة أو محطمة، وهذا عكس شخصيتها السابقة، إذ أصبحت أكثر عقلانية وتفكر كثيرا قبل اعتبار أي فتاة صديقة مقربة لها.


وكذلك أحمد (25 عاما)، فقد كانت الصفعة الأولى له من أعز أصدقائه الذي اعتبره سندا وأخا له، جراء خذلان كبير له في أهم قرارات حياته التي لم يسانده بها، بل سخر منها واستخف بها.


ويشير أحمد إلى أنه بدأ بلوم نفسه وجلدها على توقعاته العالية وإعطاء الأهمية لصديقه أكثر من نفسه، واصفا شعوره بالندم الكبير على مودة وثقة قدمهما بلا مقابل.


"بعد الي مريت فيه ما بتوقع اشي من حدا"، يقول أحمد بصوت حاد مشددا على كلامه، ومؤكدا بالوقت ذاته أن الثقة صعبة بعد الخذلان. 


وتذكر تسنيم (37 عاما) كيف تعرضت للخذلان من قبل زوجها الذي لم يقف الى جانبها في مرضها، بل تخلى عنها لتتحطم بذلك التأملات والتوقعات لهذا الإنسان الذي اعتبرته نصفها الثاني "بلحظة انكسر كل عالمي معه وتحول لسراب"، هكذا تصف تسنيم شعورها في تلك اللحظات المريرة، لتغدو من بعدها إنسانة باهتة ترفض الثقة بأي إنسان، مؤكدة بذلك أن شعور الخذلان يجعل الإنسان يعيد التفكير في منظوره للحياة.


وتقول تسنيم "أن تقدم لشخص تحبه من أعماق قلبك وتحبه أكثر من نفسك ولكنك تكون الضحية في النهاية، هذا شيء موجع.. أتمنى ألا يعيش أحد أو يجرب شعور الخذلان لأنه يحطمك من الداخل قبل الخارج". 


ومن الجانب النفسي، تبين الاختصاصية النفسية عصمت حوسو، أنه "إن لم نتألم لن نتعلم"، موضحة بذلك أن الألم هو جزء من مصادر المعرفة والتطور للإنسان الذي يحب أن يطور نفسه ولا يكررها.


وتشير حوسو الى أن الخذلان جزء من الطبيعة البشرية، لأن كل إنسان منا لديه توقعات وآمال وطموح من الآخر، وبالرغم من ذلك، فكل شخص معرض لأن يخذل، وهذا جزء من طبيعة الكون ويجب أن نتقبله.


ولكن ذلك لا يعني ألا نتعلم من مواقف الخذلان، بحسب حوسو، ففي المرة الأولى التي يخذل بها الإنسان، يقع السبب على الآخر، ولكن في المرة الثانية يصبح على الإنسان نفسه.


وتشير حوسو الى أن أي إنسان يتعرض لتجربة خذلان سواء كانت خيانة أو غدرا أو احتيالا أو مهما كان الخذلان الذي تعرض له من  الغرباء أو المقربين، يجب أن يجعله يستفيق ويعيد ترتيب أولوياته.


وتؤكد حوسو أن الخذلان الذي يأتي من مسافة قريبة ومن أشخاص مقربين يوجع القلب أكثر، لأنه دائما ننظر ونهتم للفاعل وللطعنة التي أتت من أقرب الناس أكثر من الغرباء.


وتعلل "لذلك عندما نتعرض لتجربة كهذه، أولا يجب أن نتعلم منها، ومعرفة الجزء الذي يتعلق بالفرد بتحمل مسؤوليته، لكي يعدله والجزء الذي يتعلق بالذي أمامه لكي لا يتكرر معه نفسه أو مع غيره ويتعلم كيف يكون أكثر حذرا في المرات المقبلة".


وتؤكد حوسو، أن الإنسان لا يستطيع أن يحمي نفسه من الخذلان، لأنه جزء من الطبيعة البشرية، ولكن يستطيع أن يطور من مهاراته ويتعلم فن وضع المسافة مع الآخرين؛ لكي لا يسمح لأحد بأن يخترقه ويؤذيه، وبذلك لو تعرض لخذلان لا يكون موجعا بقدر كبير، لأنه طور من مهاراته وعلم كيف يضع مسافة الأمان بشكل جيد، مؤكدة ضرورة تعلم هذه المهارة الحياتية من الصغر حتى لا يتعلم أطفالنا بثمن باهظ كما تعلمنا نحن والأجيال السابقة.


ووفقا لذلك، فإن الإنسان من أجل أن يخفف عن نفسه ألم الخذلان، يجب أن يضع حدودا واضحة لا يخترقها أحد، وفق حوسو، وأن يكون حذرا، ولا يعني ذلك أن يكون مترقبا ويصيبه خوف وقلق، بل أن ينتبه، فليس كل ما يقال يصدق وليس كل ما يلمع ذهبا، وبالتالي يحكم على الآخر ضمن مواقف كثيرة ليستطيع أن يخفف من هذه الحدود.


وتشدد حوسو على أن مسافة صفر مع الآخرين خاطئة حتى مع أقرب الناس، وبذلك نستطيع أن نخفف وجع الخذلان أو آثاره السلبية على حياة الفرد ونفسيته، مشيرة إلى أنه في بعض الأحيان نخذل من أشخاص جيدين، وذلك لأن كل شخص له وجهة نظر، وكل منا يرى الأمور بعين طبعه.


وتوضح حوسو أن شعور الخذلان يرافقه التسامح، وكيف نتعلم بعد الوجع والخذلان أن نسامح أنفسنا أولا وآخرا، وليس من أجله بل من أجل أن يرتاح الإنسان ولا يبقى في داخله جوانب ومشاعر سلبية، لكن هذا لا يعني أن يعود للتحدث معه، وبحسب طبيعة الألم والخذلان الذي سببه له والضرر الذي أصابه يقرر، فالبعض قد يقطع علاقته به وآخرون يبعدون المسافة بأضعاف ما كانت سابقا.


وتشدد حوسو، كذلك، على ضرورة الابتعاد عن التفكير السلبي والتعميم وألا يحكم بالفشل على علاقاته مهما بلغ فيها الخذلان واليأس والإحباط، إذ يجب أن يبقى الفرد متفائلا، ويتأكد أنه ما يزال هنالك أشخاص وأمور تستحق أن يتفاءل من أجلها.


وتختم حوسو حديثها، مؤكدة أن كل شخص منا عانى من ألم الخذلان، ولكن هكذا يكون بالطريق الصحيح، لأن المعاناة هي الطريق الوحيد نحو القمة، ولأن الألم هو الطريق الوحيد نحو التغير، إذ إن العراقيل والمشاكل التي تواجهنا في حياتنا هي الطريق الوحيد نحو التقدم والتطور.

 

اقرأ أيضاً: 

مسافة الأمان.. هل تمنح التوازن للروح وتحمي الأسرار؟