مصابون بأمراض مزمنة يعانون بين ألم الداء وقهر فقد الدواء

321
321

ديمة محبوبة

سيناريو يتكرر تعيشه سعاد ابنة المريضة أم عمر (68 عاما)، التي تشعر بالألم والقهر كلما دخلت بداومة عدم توفر أنواع من أدوية علاج ضغط الدم الموصوفة لوالدتها، بسبب النقص المتكرر.

اضافة اعلان


لم تعد سعاد تتفاجأ على رد الصيدلاني في المركز، بعدم توفر النوع "س" أو أكثر من العلاجات الشهرية، والطلب منها العودة بعد أيام عدة، لعله يتوفر، فلا تجد خيارا أمامها سوى شراء الأدوية غير المتوفرة من صيدليات القطاع الخاص وبأسعار تعتبرها مناسبة لها، تجنبا لتفاقم مرض والدتها والوقوف في "طوابير" الازدحام الطويلة في المركز.


ليست والدة سعاد وحدها من تعاني هذه القصص الدائمة والموجعة بتفاصيلها؛ حيث يعاني مرضى معظمهم من كبار السن، من نقص أدويتهم الشهرية التي يصرفونها من المراكز الصحية الحكومية -مشمولين بالتأمين الصحي، ما يعرضهم الى مضاعفات مرضية وزيادة في الكلفة المادية عليهم وعلى ذويهم، بسبب اضطرارهم إلى شراء الأدوية غير المتوفرة من صيدليات خاصة على نفقتهم.


كذلك يشتكي محمد من نقص علاج "مميع للدم" نوع (برا داكسا) الموصوف لوالدته بشكل شهري، ويؤكد أن المراكز الصحية تصرفه على نطاق محدود، ويصل سعره في الصيدليات الخاصة إلى 71 دينارا، ويتطابق مع أثمان الدواء لدى مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية، ما يضطره إلى شرائه من تركيا عبر المسافرين لأن ثمنه أقل. وتساءل: هل يستطيع مواطن عادي شراء علاج ثمنه مرتفع، وما ذنبه أنه غير موجود؟.


وبالنسبة لغدير، فإن معاناة والدتها المريضة ازدادت بعدما حول مستشفى الملك عبد الله المؤسس ملفها إلى المركز الصحي؛ حيث بدأت الانقطاعات المتكررة في قائمة العلاجات من شهر إلى آخر. وتقول إن أثمان العلاجات لا تتناسب مع ميزانية أسرتها إن فكرت بشرائها من القطاع الخاص.


والحل الذي تطرحه الحكومة بحسب مدير المشتريات والتزويد في وزارة الصحة، ماهر الزيود، يكمن بمراجعة المريض مديرية الشراء (المخازن الرئيسية) في منطقة ياجوز (شمال العاصمة)، بعدما يختم المركز الصحي على وصفة الدواء، أن "العلاج غير متوفر" ويوقعها الطبيب مدير المركز والطبيب المعالج والصيدلاني المختص، ثم يصرف العلاج من المستودعات.


وفي حال عدم توفره، لا مانع من شرائه من القطاع الخاص على نفقة التأمين الصحي، ما يعني سلسلة بيروقراطية طويلة، يصعب السير بها، وفقا للمرضى وذويهم الذين تم الاستماع لهم، نظراً لوجود مخازن الأدوية التابعة لمديرية الشراء والتزويد في منطقة الرصيفة في محافظة الزرقاء، بعملية حسابية بسيطة، فإن تكاليف شراء العلاج على النفقة الخاصة تعادل تكلفة التنقلات.


رافقت معدة التقرير أحد المرضى بالقلب إلى أحد المراكز الطبية الحكومية، التي اعتاد صرف أدويته الشهرية منها.

لم تتوفر الأدوية في ذلك اليوم، وهو الأمر الذي يعاني منه كل شهر تقريبا، بحسب المريض طلب منه المركز مراجعة السجل لأخذ دور في عيادات مستشفى البشير، لأن أدويته بحاجة لأن يقرها الطبيب كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى أن "BISOPROLOL 5mg" هو دواء رئيسي للقلب خاص بـ"توسعة الشرايين القلبية"، يجب أن يحصل على وصفة طبيب لكل علبة، لاحتساب جرعة الدواء.


صور أدوية


في مستشفى حكومي رئيسي في عمان، كان هنالك طابور طويل بجانب دور آخر مخصص للرجال، فقد توقف التسجيل والسبب توقف "النظام الإلكتروني"، ثم كان الذهاب إلى عيادة القلب، وتم إبلاغ المريض بأن دوره لدى عيادة طبيب باطني واحد فقط وانتظر حتى الساعة الثالثة والنصف؛ حيث قام الطبيب بختم العلاجات والتوقيع عليها، ثم ذهب الى الصيدلية لتسعير العلاج، والمتوفر فقط كان دواء "أسبرين" وعلاج "فومدار" الذي يساعد المعدة على عملية الهضم.

أما دواء القلب الرئيسي "plavix" فلم يكن متوفرا، والبديل المتوفر هو "بلاتيل"، عندها دار نقاش بين المريض والصيدلاني فحواه أن الطبيب يؤكد العلاج الأصلي وأن العلاج البديل لا يناسبه. وأظهر المريض لصيدلاني الإثبات، وكرر الصيدلاني أن العلاج لا يتوفر في الصحة وعليك شراؤه من الخارج على نفقتك الخاصة.

وطلب المريض من الصيدلاني توثيق ذلك بالكتابة والختم؛ حيث جرى ذلك وسط طلبات كثيرة من مرضى يصطفون في الدور لصرف علاجاتهم، ثم غادرت معدة التقرير برفقة المريض لشراء العلاج الأصلي "أجنبي" على نفقة المريض الخاصة بسعر 13 دينارا، بينما يبلغ سعر البديل "الأردني" 26 دينارا.


وتؤكد عبير، وهي طبيبة تعمل في وزارة الصحة (فضلت إخفاء هويتها)، وجود نقص في الأدوية الشهرية، ما يضع المريض أمام الاختيار بين الاستمرار في آلية بيروقراطية طويلة ومعقدة، أو شراء الدواء في ذلك الشهر على نفقته الخاصة، وهو ما يزيد من أعباء المرضى الصعبة أصلا.


وتعتقد أن سبب نقص الأدوية هو التغيير المستمر للأدوية وشراء أدوية بديلة رخيصة. وتشدد الطبيبة عبير على ضرورة إيجاد وزارة الصحة آلية أخرى للشراء بدلاً من "المطابق الأرخص" والانتقال الى "الأجود بالسعر المناسب"، لأننا هنا نتعامل مع مريض.


وتعطي الدكتورة عبير مثالا على النقص لأدوية مرض السكري من نوع "ترازنكا- ينظم عمل السكر في الدم"، إذ يصرف "دابا غليفلوزين" بديلا عنه، وهناك مرضى لا يرتاحون للدواء الثاني، لأن "طبيعة الأجسام تختلف في تقبل العلاج".

وينطبق هذا التشخيص على دواء الضغط "ان هبتر". ونوهت إلى وجوب الاستقرار في العلاج وتوفيره وإيجاد أكثر من خط لإنتاج الدواء نفسه تلافيا للنقص.


ويقر مدير الشراء في وزارة الصحة، ماهر الزيود، بوجود نقص في الأدوية الشهرية في المراكز الصحية بحدود 5 في المائة، لأن الحكومة توفر نحو 95 في المائة من حاجة المرضى الشهرية. ويقر أيضا بأن الدواء البديل تصل فعاليته إلى نحو 90 % .


وعن عدد أصحاب الأمراض المزمنة الذين يأخذون علاجات شهرية من المنشآت الصحية التابعة لوزارة الصحة، فقد بلغ حوالي مليون ونصف المليون شخص في الأردن، بسحب الزيود. وبحسبة رياضية نجد حوالي 75 ألف مريض سنويا يعانون من نقص في الوصفة الشهرية.


وبلغت كلفة عطاءات الأدوية للمؤمنين على نفقة التأمين الصحي، في العام 2021 نحو 70 مليون دينار. وبلغت في العام 2022 نحو 110 ملايين دينار أردني، ومرد الزيادة في تكاليف العلاج، دخول مؤمنين جدد، بحسب الزيود، الذي أفاد بأن آلية شراء الدواء من السوق المحلية، تتم عبر عطاءات يعلن عنها إلكترونيا، تحال على المنفذ "المطابق والأرخص" وفقا للعطاءات العامة بزيادة مخزون استراتيجي لمدة أربعة أشهر.


ومن ناحيته، يستبعد مدير صحة العاصمة نايف الزبن، أن يشكل نقص الأدوية الشهرية في المراكز الصحية "ظاهرة"، لكنه يقر بنقص تزويد الأدوية من المستودعات إلى المراكز والمستشفيات، مثل مساعد السكري أحيانا، مؤكدا توفر العلاج (الأصلي والبديل) في مراكز العاصمة كافة.


ويؤكد نقيب الصيادلة السابق، زيد الكيلاني، وجود نقص في العلاجات الشهرية في العامين 2020-2021، بسبب تخلف الحكومة عن دفع مستحقات شركات ومستودعات الأدوية المتراكمة على وزارة الصحة، ما انعكس سلبا على المرضى ونقص في العلاجات الشهرية، وهو ما وعدت الحكومة بإيجاد حل له، منوها إلى أنه لا يمتلك معلومة حول حل المشكلة.


وجاء الرد على لسان مدير الشراء في وزارة الصحة الدكتور ماهر الزيود، الذي قال "لضمان تلافي أي نقص في الأدوية أو المستلزمات الطبية، فقد تم الإيعاز بطلب عطاءات الأدوية لهذه السنة لمدة 16 شهرا بدلا من 12 شهرا، لضمان عدم انقطاع أي علاج أو مستلزم طبي محتمل، وفي حال حدوث أي نقص تقوم مديرية المشتريات والتزويد في وزارة الصحة بشراء هذا العلاج من خلال الشراء المباشر بواسطة لجنة الشراء المحلية داخل الوزارة".


وأضاف "المخزون الاستراتيجي للأدوية بشكل عام متوفر، ويتم أولاً بأول متابعة المخزون في المستودعات المركزية، وتوفر جميع الأدوية في المستودعات الفرعية في المحافظات، كما يتم متابعة المخزون الدوائي والمستلزمات الطبية كافة، لتجنب أي نقص محتمل". أحيانا، إذا لم يجد المريض الدواء الذي يحمل الاسم التجاري الذي اعتاد عليه، فمن الممكن أن يقدم شكوى بعدم توفر هذا الدواء. لكن الدكتور الزيود لم يتطرق الى إحصائية الشكاوى.

اقرأ المزيد :

https://alghad.com/%D9%85%D9%86-%D9%8A%D8%AC%D8%B1%D8%A4-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%A1%D8%9F/