هل تستطيع النساء تجاوز القيود الاجتماعية والاقتصادية لتحقيق نقلة نوعية وتسجيل علامة فارقة في المشهد الانتخابي؟.. ذلك التساؤل يطرحه مراقبون للمشهد الانتخابي في دعوة نحو تعزيز التمثيل النسائي وزيادة المشاركة سواء كان ضمن الكوتا أو المشاركة الحزبية.
لأول مرة وفي تجربة هي الأولى من نوعها يخصص قانون الانتخاب الأردني 18 مقعدا للمرأة على نظام الكوتا، فضلا عن إلزام الأحزاب تخصيص مقعدين على الأقل للمرأة من ضمن المقاعد الستة الأولى في قوائمها التي ستخوض بها الانتخابات البرلمانية المقبلة التي قد تصل المقاعد النيابية التي ستشغلها الأردنيات في البرلمان القادم إلى أكثر من 20 %.
هذا التغير الكبير في المشهد الانتخابي لهذه الدورة جاء بحسب خبراء استجابة للتوجه الملكي في إحداث نقلة نوعية في حياة الأردنيين السياسية خلال المئوية الثانية من عمر الدولة، والاهتمام بالمرأة والشباب، وهو ما ترجمته اللجنة بتعزيز حضورهما في المشهد البرلماني والحزبي.
فيما اعتبر خبراء اجتماعيون وناشطون في حقوق المرأة أن التعديلات الدستورية والتشريعية المنجزة ضمن مسار التحديث السياسي، خاصة قانوني الانتخاب والأحزاب، تشكل فرصة كبيرة أمام النساء لتعزيز حضورهن السياسي تحت قبة البرلمان، إذ يعتبر وصول المرأة لمواقع صنع القرار السياسي والتشريعي مصلحة وطنية وتنموية.
وهو ما أكدته اختصاصية علم الاجتماع الدكتورة فادية الإبراهيمي إن مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية هي أحد مقاييس تقدم الشعوب وتحضّرها، فالتشريعات والعادات والتقاليد السائدة تؤثر بشكل مباشر على طبيعة مشاركة المرأة في كافة القطاعات، خاصة في الوسط السياسي والديمقراطي.
وتشير إلى أن هناك نقطة تحول جديدة ساهمت بزيادة مشاركة المرأة السياسية وهي منظومة الإصلاح السياسي بشكل العام، ومخرجات اللجنة الملكية للتحديث السياسي، حيث تزايد اقبال النساء على الانتساب إلى الاحزاب وزاد طموحهن في تولي المناصب القيادية ايضاً في تلك الاحزاب وزاد الامل والرغبه اكثر لدى النساء للترشح للانتخابات.
الاستمرار في المحافظة على التمثيل النسبي للنساء في البرلمان والمجالس البلدية وزيادة حصص التمثيل النسبي ليحقق العدالة على مستوى أقاليم المملكة، يتطلب زيادة وعي المرأة والرجل بأهمية مشاركتها في الحياة السياسية من خلال عمليات التوعية والتدريب والتثقيف.
وتلفت الإبراهيمي إلى أن المرأة الأردنية حققت خلال العقود الماضية مكاسب على المستوى الثقافي الاجتماعي والسياسي، وكان هناك تطور تدريجي لانخراط المرأة في النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب.
وتلفت بدورها إلى أن إقرار نظام الكوتا ساهم بشكل كبير في تواجد المرأة في مجلس النواب، إلا أن التنافس على المقاعد الحرة ما زال صعباً بعض الشيء على النساء، فالتقاليد المحافِظة التي تهيمن على العقليات لم تحول دون مشاركة المرأة في الحراك الشعبي والسياسي وتحقيق أهدافه، يدا بيد مع الرجل.
وتؤكد الإبراهيمي أن فرصة النساء في الانتخابات المقبلة كبيرة؛ بحكم التشريعات والقوانين الحالية الناظمة للحياة السياسية، فضلا عن أن السياسة العامة للدولة الأردنية، سواء الحكومة والمؤسسات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني، جادة في تحقيق مسار التحديث السياسي وتمكين المرأة سياسيا لما فيه من تمكين للدولة وتقدمها.
وهذا الأمر بحسب الإبراهيمي ولّد لدى مناصري قضايا المرأة تفاؤلا بالانتقال من موقع التابع إلى موقع الفاعل المؤثر، وتعزّيز وجودها على المجال السياسي. وتقول، "في الأردن، هناك قبول متزايد واعتراف رسمي بأهمية المشاركة السياسية للمرأة".
وتنوه الإبراهيمي إلى مساهمة المرأة في عملية التنمية حيث استفادت من التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أحدثتها خطط التنمية المتعاقبة، مشيرة إلى أن المشاركة السياسية للمرأة الأردنية لا يمكن النظر إليها كقضية منفصلة أو منعزلة عن قضايا المجتمع الأردني.
وحول المعيقات التي تواجه التمثيل النسائي تشير الإبراهيمي إلى ضعف المشاركة في المؤسسات السياسية في الأردن بدءا من الاحزاب السياسية ومروراً بمنظمات المجتمع المدني وانتهاء بالمجالس المنتخبة، مما يؤكد هذا الوضع طرح الحكومة لمشروع خطة التنمية السياسية للنهوض بمستوى الأداء السياسي في البلاد وتعميق مستوى المشاركة السياسية للمواطنين بما فيه المرأة كجزء من المجتمع الاردني.
الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، المهندسة مها علي أكدت في تصريح صحفي أن برنامج تعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية للعام 2024، يأتي في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للمرأة للأعوام 2020 - 2025، ودور اللجنة في المساهمة في الجهود الوطنية في دعم مشاركة النساء في الانتخابات النيابية مترشحة، وتشجيع المواطنة الفاعلة للنساء من خلال ممارسة الحق في التصويت.
وأضافت علي، أن تنفيذ البرنامج التدريبي الذي أطلق في عمان وتتبعه ورشات تدريبية مشابهة في المحافظات كافة، يأتي في إطار خطط العمل المشتركة للجنة مع وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية والهيئة المستقلة للانتخاب بهدف دعم وتمكين النساء وتعزيز مشاركتهن الفاعلة في الحياة السياسية خاصة في العملية الانتخابية.
ويستهدف البرنامج، تدريب حوالي 300 سيدة من محافظات المملكة كافة بواقع 16 ورشة تدريبية، تشارك فيها متدربات من خلفيات متنوعة تشمل عضوات مجالس إدارة محلية وعضوات أحزاب، وسيدات خضن تجربة الترشح مسبقا وناشطات مجتمعيات.
فيما تجد الناشطة في حقوق المرأة ومؤسسة "شابات لتمكين المرأة سياسيا"، منال كشت، المشهد العام لمشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية الأردنية المقبلة واعداً ولكنه معقد بعض الشيء، حيث يتسم بمزيج من التقدم والتحديات.
وتشهد الانتخابات الحالية بحسب كشت زيادة ملحوظة في مشاركة المرأة كمترشحة، ويظهر من خلال الجلسات العامة في مختلف المحافظات أن هناك توجها متزايدا لمشاركة النساء يوم الاقتراع، فقد ساهمت التعديلات على القوانين الانتخابية والحزبية في رفع تمثيل المرأة في البرلمان، مما سينعكس ايجابياً على تواجد النساء تحت القبة.
كما أصبح توجه اختيار النساء وفق كشت بناء على الكفاءة وليس على معيار الجنس أكثر انتشارا بين جمهور الناخبين كما شهد المجتمع زيادة ملحوظة في الوعي بأهمية مشاركة المرأة في الانتخابات، سواء كناخبة أو مترشحة حيث تسعى المبادرات الحكومية والمجتمعية لدعم المرأة وتمكينها سياسيًا.
وتلفت كشت إلى أن النساء مازلن يواجهن عددا من التحديات التي تعيق مشاركتها بشكل كامل، مثل القيود الاجتماعية والثقافية، ونقص الدعم المالي والسياسي، وتحيز بعض الناخبين ضد المترشحات، وممارسة العنف السياسي ضدهن أحياناً.
وترى بدورها أن مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بالمجمل في الأردن تشهد تحسناً، ولكنها بحاجة إلى استمرار الدعم والتطوير للتغلب على التحديات الحالية وضمان تمثيل سياسي قوي للنساء.
وحول كفاءة البرامج التدريبية التي تخضع لها النساء كمترشحات وناخبين فقد شهدت البرامج التدريبية الموجهة للمترشحات في الأردن تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، لكن هناك تفاوتا في مدى فعاليتها في تمكين المترشحات وتزويدهن بالمعرفة اللازمة وفق كشت.
وتنوه بدورها إلى نجاح العديد من البرامج التدريبية التي تُنظمها منظمات المجتمع المدني والحكومة في تقديم الدعم الفني والمعرفي للمترشحات، خصوصاً في مجالات إدارة الحملات الانتخابية، والتواصل مع الجمهور، وفهم القوانين الانتخابية، حيث ساهمت هذه البرامج في رفع الوعي وتعزيز ثقة المترشحات بأنفسهن.
وتتفق كشت مع الإبراهيمي في تفاوت جودة وفعالية البرامج التدريبية بين المحافظات فغالباً ما تكون البرامج الموجهة للمترشحات في المناطق الحضرية أكثر تقدماً وشمولية مقارنة بالمناطق الريفية أو الأقل تطوراً.
هذا التفاوت بحسب كشت يؤدي إلى نقص في الفرص المتكافئة للمترشحات من جميع المحافظات كما أن بعض البرامج قد تفتقر إلى التعمق الكافي في بعض المواضيع الحيوية، مثل بناء التحالفات السياسية أو استراتيجيات تمويل الحملات.
ولتعزيز فعالية هذه البرامج، من المهم أن تُخصص مزيد من الموارد لتوسيع نطاقها ليشمل كافة المحافظات بشكل عادل، وأن تكون هناك متابعة مستمرة لتقييم مدى استفادة المترشحات منها وتعزيز التعاون مع خبراء محليين ودوليين لضمان تقديم محتوى تدريبي عالي الجودة يناسب احتياجات المترشحات في مختلف المناطق.
اقرأ أيضاً:
زيادة نسبة ترشيحات النساء.. وسيدة فقط ترأست قائمة عامة
وادي الأردن.. تحديات وتفاوت بمشاركة المرأة في الانتخابات