هل عززت "السوشال ميديا" الأنانية ونكران الجميل لدى شباب ويافعين؟

منى أبوحمور “عش من أجل نفسك”.. “ليس لأحد فضل عليك”.. “أنا ومن بغدي الطوفان”.. “لا تعتذر.. واستمر”.. “أنا والباقي آخر همي”؛ تلك نماذج من عبارات يشاركها بعض المراهقين والشباب عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فيها الكثير من الأنانية والتكبر بصورة أو بأخرى، والنكران لكل معروف أو جميل من أقارب وأصدقاء وحتى من كان له فضل عليهم. يتجاهل البعض من الأجيال الصغيرة الفضل من حولهم، لا يتأثرون بالعلاقات، ولا بفضل بأحد، وحتى طريقة الحديث والتعليق على أحداث فيها نوع من الإهانة للآخر ونسيان لحظات المساندة التي يمنحها أصدقاء. عبر مواقع التواصل الاجتماعي شارك أحمد (اسم مستعار) منشورا استفز كثيرين من متابعيه بعد أن أكد من خلاله “أن لا لأحد فضل عليه وأن ما وصل إليه في حياته الدراسية والعملية.. خاتما منشورا، “نفسي فقط من تستحق الحب والشكر”. “نحن صنعنا أنفسنا وما حدا اله فضل علينا ولم نجبركم أن تأتوا بنا إلى هذه الحياة”، كثير من العبارات والموجهة للأهل يتم تبادلها بين الأجيال الصغيرة وفي بعض الأحيان يرددونها أمام أهاليهم وبين أصدقائهم بعيدا عن الإحساس بالمسؤولية اتجاه أسرهم أو حتى مراعاة مشاعرهم. ليس الأب والأم أو حتى المعلم والأصدقاء من يتنكر له البعض وإنما الوطن أيضا، “اللهم هجرة من هذا البلد ما بعرف شو مسويلنا”، عبارة رددها محمد (اسم مستعار)، متجاهلا كل يحظى به في هذا الوطن والحقوق بكافة الاتجاهات، فما أن شارك هذه العبارة حتى انهالت التعليقات التي لم ترق لمحمد الذي تفاجأ بردود الناس. هذه السلوكات أثارت امتعاظ أحمد مصطفى الذي كتب عن أفعال بعض الجيل الجديد ممن يحيطون به قائلا “البعض منهم يتنكر للأب وللأم وحتى لتراب الوطن والمعلم الذي علمه”، متسائلا لماذا تغيب عنهم ثيمة الوفاء؟! الخبيرة التربوية الدكتورة سعاد غيث تشير بدورها إلى أن البعض من اليافعين ينكرون الجميل ويعتقدون بأنهم صنعوا أنفسهم بأنفسهم، لافتة إلى أن هنالك تقصدا أحيانا بنكران الفضل وغياب التقدير. وتعزو غيث هذا النكران إلى خطأ الأهل في تربية وتنشئة هؤلاء الأبناء من قبل آبائهم وتعليمهم أن يكونوا “getting type” آخاذين، وهي صيغة مبالغة من الأخذ، يأخذون عواطف ومشاعر واهتمام ومال وهدايا، من دون أن يعلموهم أن يكونوا معطائين، ربما يكون سببه أن الآباء عاشوا حرمانا ماديا وعاطفيا. وتقول غيث، “الحرمان له جوانب كثيرة في علاقاتهم بآبائهم”، مبينة أن الأصل أن يتعلم الابن على الأخذ والعطاء ضمن قدراته وضمن إمكاناته. وتنوه “أنا لا ألوم بعض الشباب لأنهم لم يتعلموا ولم يتدربوا ولم تتح لهم فرصة ان يكونوا ممتنين ولم يتعلموا ثقافة الامتنان”. ويفترض بحسب غيث أن يكون هناك حوار بين الآباء والأبناء مع أهمية سماع كلمات الشكر والتقدير والامتنان على ما يتم تقديمه، مبينة أنه ليس مطلوبا من الأعمار الصغيرة الآن ان ترد بذات الطريقة في العطاء، ولكن على ان يكونوا شكورين وممتنين. وتدعو غيث أولياء الأمور الصبر على أبنائهم حتى ينضجوا، لاسيما وأن مع قلة النضج يكون لدى اليافعين تمركزا حول الذات ويعتقدون أنفسهم محورا في الكون. من جهته يلفت الاستشاري التربوي والنفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أهمية أن يؤمن الإنسان بنفسه ويقدر ما يقدمه له الآخرون والاعتراف بجميل الأب والأم والمعلم والآخرين، هذه النماذج جميعا ساهمت في إيجاد استقرار نفسي ورسخت معان وقيم اجتماعية وأسرية. ويقول مطارنة، “الاحترام والصدق والوفاء والاعتراف بالجميل فضيلة”، لافتا إلى انه مع تقدم المجتمع تتضاءل نوعا ما هذه الروابط وتضعف وقد تتحول القيمة الأخلاقية إلى قيمة مادية. ويرى مطارنة أنه ومع الوقت وسيطرة التكنولوجيا والميل نحو الفردية بدأت قيم المجتمع تتفكك حتى داخل الأسر والمجتمع وهذا أعطى صبغة مختلفة. ويعتقد مطارنة أن الروابط الاجتماعية تغيرت ولم تعد بقوة الماضي، وطغت المادية والنفعية وأصبح الكثير من الأبناء “نرجسيون” وانانيون يهتمون فقط بمدى الاستفادة وما يمكن أن اخذه. لذلك فإن العلاقة التي تربط الأجيال في المجتمع مع عائلاتهم تسيطر عليها الفردية بدل الجماعة، وتزيد النرجسية كبديل للقيمة الأخلاقية بالتالي تتفكك الروابط الاجتماعية. وينوه مطارنة؛ “لم يعد الرابط بالمجتمع قويا ولذلك بدأ البعض من الجيل الجديد “يتنكر” لدور الأب وللمدرس والمجتمع، ولذلك لا يرى الا نفسه ومنفعته ونفسه وذلك انعكاس للتنشئة الاجتماعية والحالة النفسية غير المستقرة حيث يعيش الفرد في صراع بين القيمة والذات والأنا والمسؤولية والواجب وبين المصالح الخاصة والمتطلبات الشخصية النفسية التي أصبحت المسيطرة عليه أكثر من أي اهتمام في جانب آخر. وترى جين توينج، أستاذة علم النفس من جامعة شيكاغو، وفق دراسة عالمية نشرت؛ “نحن نقف الآن في مواجهة الجيل الأكثر أنانية ونرجسية في تاريخنا البشري، تستدل(4) توينج بمقاييس النرجسية السيكولوجية والتي سجلّت قيما ترتفع تدريجيا بداية من العام 1982 حتى وصلت إلى نحو 60 % أكبر بحلول العام 2009، بينما ارتفع معدل الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية ليصل إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بمن هم الآن في الخامسة والستين من أعمارهم”. من جهة أخرى فإن تقريرا صدر عن جامعة ستانفورد، أوضح أن جيل الألفية هو الأكثر تعرضا للانتحار، وبالتالي الإصابة بالاكتئاب من قبله. في الواقع يرى الباحثون في هذا التقرير أن ارتفاع معدلات الوفيات في الفئات العمرية التي تقع بين 25-34 سنة بأكثر من 20 % من الأجيال السابقة مدفوعة بشكل رئيسي بارتفاع عدد حالات الانتحار. اقرأ أيضاً:  اضافة اعلان