تكسر الفنانة التشكيلية الأردنية منار العكور، قيود الرتابة والجمود في معظم أعمالها الفنية سواء في منظورها للواقعية أو بأسلوبها بالرسم على الخشب، وأيضا بفن الزخارف الذي تعتمد فيه على العلم والأشكال الهندسية، لتحرير اللغة الخفية في التعبير بخطوط الجمال بسلاسة ضمن ورشاتها، بعيداً عن الصخب لترى الوجه المشرق للناس المتمثل بالفن والإبداع وحب الحياة، كما تتناول في مجمل أعمالها الفنية التراث والماضي في تصميماتها للديكورات الداخلية للمنازل.
وتستجيب العكور إلى إيمانها الداخلي باستخدامها أشكالاً مجردة تتسم بالغموض البصري الذي تركز فيه على مكنونات الحياة والمعرفة، وفق ما ذكرته في حديثها لـ"الغد".
وتكتشف العكور شغفاً جديداً عند تنفيذ فن الزخرفة؛ لأنها لا تبدأ من الصفر، بل تستخدم مواد فنية أخرى كأساس تبني عليه من خلال التركيب والتجريب، مشيرة إلى التجديد في أعمالها الزخرفية، وبالوقت ذاته تحافظ على أصالتها على مر القرون بالأساليب المعاصرة التي أغنتها برؤى وأفكار جديدة أعطتها بريقاً، موجهة بذلك رسالة أن فن الزخارف حاضر وقابل للتطوير.
وتقول: "تبدأ عملية الإنتاج الإبداعي لدي من خلال إيجاد الفكرة، ومن ثم البحث عن الموارد الفنية المتاحة"، رامية بذلك إلى أهمية العينين وأسرارهما في البحث لإنجاز أعمالها كإحدى السمات، مشيرة إلى أن العينين تعطيان شعوراً بالراحة مرتبطا بفكرة التنوير، فهما ترمزان إلى ما وراء الأشياء المباشرة، وهناك بعد فلسفي يرتبط بالعينين خصوصاً بما يتعلق بظهور الواقعية في أعمالها، ممزوجة بقدر من التمرد والرغبة في إثارة عقل المشاهد في طرح أسئلة حول العالم المحيط، بحسبها.
وتضيف، في أعمالي الفنية أميل إلى الواقعية التي أعبر من خلالها عن تفاصيل قد لا نراها أو نلتفت إليها، ففي كل الأشياء التي أنفذها، أحاول أن يكون هناك هدف أو فكرة، وليس مجرد منتج من دون ارتباط أو تناغم.. يجب أن يكون هناك بنية للعمل. وتشير العكور إلى أهمية التحام وتشابك الألوان التي تنبعث من تراصف دقيق لتشكل أعمال فنية رائعة في المدرسة الواقعية وفن الزخرفة.
وتوضح العكور الحاصلة على درجة البكالوريوس من كلية الفنون والتصميم، تخصص فنون بصرية من الجامعة الأردنية، أنها تميز اللغة العربية بخطوط خاصة في الزخرفة الإسلامية، وتبرز جماليات الخط العربي وأثر التصوف والروحانيات فيه، وتستخدم الألوان في تناسق جنبًا إلى جنب لتؤلف لوحات زخرفية.
وتتمرد التشكيلية على العالم الواقعي لترسم بيديها دون استخدام الفرشاة، وفق عالمها الخاص الذي تراه في مخيلتها من بنات أفكارها، بحسبها: "أرسم بروح ما أراه في العالم بعينين لامعتين متمردتين"، رافضة إملاء أفكار العالم الجاهزة عليها، فتقوم بقلب الصورة التي تراها في هذا العالم وترسم صورتها الخاصة والملائمة لأفكارها.
كما تجيد الفنانة العكور حرفة الحرق على الخشب، وصناعة اللوحات والديكورات الخشبية؛ لتظهر كتحفة فنية تفيض بعبق الجمال، مشيرة إلى وقوف زوجها إلى جانبها وتشجيعه لها لتنمية مهاراتها الإبداعية في عالم الفن التشكيلي، من خلال تقديم كافة السبل المتاحة لإبراز مواهبها للعالم.
وتقول: "منذ مجيئي للعيش في مدينة مادبا عملت في حقل التدريس في إحدى مدارس المدينة وكان زوجي يؤازرني دوماً ويقف إلى جانبي للتعبير عن مكنوناتي الإبداعية وتطوير مهاراتي الفنية في عالم الفن التشكيلي". وتبين أن الخشب من المواد الجاذبة، بقدر ما نعطيه من دقة وتعب يكون نتاجه ذا قيمة عالية، إضافة إلى كونه صناعة عريقة رغم صعوبة تأمين المادة وغلاء ثمنها، إلا أنها تستطيع تأمينها مع باقي المواد الأخرى من السوق المحلي.
شاركت العكور في العديد من المعارض الجماعية والملتقيات التي نظمت داخل محافظة مادبا وخارجها، وتؤكد، أن كل فنان يعبر عن الموضوع بأسلوبه الخاص.
وتختتم العكور حديثها بالقول: "أطمح إلى أن أرى الجدران في المدن يجري تزيينها بلوحات فن الزخرفة الإسلامي، كذلك تزيين المنازل والمباني العامة بهذا النوع الرائع من الفن، وتجسيد الزخرفة الإسلامية بشكل عملي وعلمي في المؤسسات التربوية لنحافظ على هذا الموروث الثمين الذي حافظ على نفسه عبر امتداد العصور، مطالبة الجهات المسؤولة عن الشأن الثقافي والسياحي في مادبا بتنظيم المعارض وبشكل دوري لما لها من شأن في رفع سوية الفن التشكيلي في المحافظة، وخاصة أن مادبا تمتلك طاقات شبابية مبدعة في هذا الفن العظيم والأزلي، والذي يمثل لغة الشعوب والناقل للحضارات الإنسانية".
اقرأ أيضاً:
" أيلة" تحتضن فعاليات ملتقى العقبة للخط العربي والزخرفة 2023