الحياة السليمة والهانئة تؤدي الى تأخر ظهور أعراض الشيخوخة، فيبدو الشخص أصغر من عمره الحقيقي، ولكن تبين للعلماء أن الإصابة ببعض الأمراض أو زيادة التعرض للتوتر والإجهاد تؤدي الى إخفاء العمر الحقيقي، فيبدو الشخص أكبر من عمره الحقيقي.
وأشارات إحدى الدراسات الى أن التوتر يسارع في ظهور أعراض الشيخوخة، حيث رصد الباحثون تعرض العمر البيولوجي لتغيرات عابرة في أثناء إجراء الجراحات الكبرى والحمل والإصابة بـ"كوفيد 19 الحاد".
وقد يتمتع بعض كبار السن بصحة جيدة وطاقة شابة ومظهر أصغر من عمرهم الحقيقي، في حين يبدو بعض الشباب أكبر من عمرهم، وهذا الأمر يحدده العمر البيولوجي. ويعتقد أن العمر البيولوجي للكائنات الحية يزداد باطراد على مدار الحياة، لكنه لا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعمر الزمني؛ إذ يمكن للأفراد أن يكونوا من الناحية البيولوجية أكبر أو أصغر سنا مما عليه عمرهم الزمني.
وتشير الأدلة المتزايدة في النماذج الحيوانية والبشرية، إلى أن العمر البيولوجي يمكن أن يتأثر بالمرض والعقاقير ونمط الحياة والتعرضات البيئية، وغيرها.
هنا يبرز سؤال: هل يمكن عكس العمر البيولوجي بعد زوال السبب؟
وبينما تهتم معظم الدراسات ببحث الأسباب التي تُسرع العمر البيولوجي للإنسان، عكف فريق من جامعات أميركية عدة إلى دراسة إمكانية عودة العمر البيولوجي إلى طبيعته بعد زوال أسباب تسارعه.
وكشفت الدراسة، المنشورة بدورية "ميتابوليزم الخلية" (Cell Metabolism)، أن العمر البيولوجي يخضع لتقلبات سريعة في الفئران والبشر، وأن الإجهاد الشديد يقود إلى زيادات في العمر البيولوجي تنعكس عند التعافي من الإجهاد.
وأوضحت الدراسة أن هذه التغييرات تحدث على فترات زمنية قصيرة نسبيا تتراوح بين أيام وأشهر، وأن هناك عوامل تزيد العمر البيولوجي بشكل عابر، أبرزها الجراحة والحمل و"كوفيد 19".
يوضح جيمس وايت -الأستاذ المساعد في الطب وبيولوجيا الخلية بكلية الطب بجامعة ديوك الأميركية، ومؤلف الدراسة المشارك- أن الدلائل المتزايدة في الدراسات البشرية تشير إلى أن نمط الحياة السيئ والمرض والتعرض البيئي، تساعد على تسريع الشيخوخة البيولوجية، لكن مسألة ما إذا كانت هذه التغييرات قابلةً للعكس، ظلت حتى الآن غير مستكشفة، وبشكل حاسم، كانت دوافع مثل هذه التغييرات غير معروفة أيضا.
يقول "وايت": "أظهرت بياناتنا حدوث زيادات سريعة وحادة في الشيخوخة البيولوجية نتيجة الإجهاد، ولكن بعد ذلك تكون هناك مرونة تعيد ضبط العمر البيولوجي بعد التعافي من الضغوط". ووفق الدراسة، فإنه على الرغم من الاعتراف بأن العمر البيولوجي مرن إلى حد ما، فإن المدى الذي يخضع فيه العمر البيولوجي لتغييرات قابلة للعكس طوال الحياة والأحداث التي تؤدي إلى مثل هذه التغييرات نا تزال غير معروفة.
ساعة الشيخوخة
لمعالجة هذه الفجوة المعرفية، استفاد الباحثون بما يعرف بـ"ساعة الشيخوخة"، وهي اختبار كيميائي حيوي يمكن استخدامه لقياس العمر البيولوجي للأشخاص، اعتمادا على مستويات مثيلة للحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين (DNA)، انطلاقًا من ملاحظة أن مستويات المثيلة في المواقع المختلفة في جميع أنحاء الجينوم تتغير بشكل متوقع على مدار العمر الزمني، وقاس الباحثون تغيرات العمر البيولوجي لدى البشر والفئران استجابةً لمحفزات الإجهاد المختلفة.
وكشفت النتائج أن العمر البيولوجي قد يزداد خلال فترات زمنية قصيرة نسبيا استجابة للإجهاد، لكن هذه الزيادة تكون عابرةً وتعود الاتجاهات نحو خط الأساس بعد التعافي.
وكما هو متوقع، فقد حدثت تغيرات عابرة في العمر البيولوجي في أثناء إجراء الجراحات الكبرى، والحمل، والإصابة بمرض "كوفيد 19 الحاد"، سواء في البشر أو الفئران.
فعلى سبيل المثال، يتعرض مرضى الصدمات لزيادة كبيرة وسريعة في العمر البيولوجي بعد إجراء جراحة طارئة، ومع ذلك، يتم عكس هذه الزيادة، ويعود العمر البيولوجي إلى خط الأساس في الأيام التالية للجراحة، وبالمثل، تعافى العمر البيولوجي لدى النساء الحوامل بعد الولادة بمعدلات ومقادير متفاوتة، كما عزز دواء "توسيليزوماب" المثبط للمناعة تعافي العمر البيولوجي لمرضى "كوفيد 19".
تخفيف التوتر
من جهته، يقول فاديم جلاديشيف -أستاذ الطب بمستشفى بريجهام، والمؤلف المشارك للدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": "النتيجة الرئيسية التي توصلنا إليها هي أن العمر البيولوجي قد يزداد بسرعة عند الإجهاد الشديد ويعود إلى طبيعته بمجرد تخفيف التوتر، وهذا يعني أن العمر البيولوجي يتقلب ولا يزداد ازديادًا مطردًا مثل العمر الزمني".
ويضيف: "تشير النتائج إلى أن الإجهاد الشديد يزيد معدل الوفيات -ولو جزئيا على الأقل- عن طريق زيادة العمر البيولوجي، وفي المقابل، فإن معدل الوفيات قد ينخفض عن طريق تقليل العمر البيولوجي، كما أن القدرة على التعافي من الإجهاد قد تكون عاملًا مهمًّا محددًا للشيخوخة الناجحة وطول العمر، وأخيرًا، قد يكون العمر البيولوجي عاملًا مفيدًا في تقييم الإجهاد الفسيولوجي وتخفيفه".
وعن أهمية النتائج، أوضح "وايت" أن الدراسة تشير إلى إمكانية عكس الشيخوخة البيولوجية بعد التعافي من الإجهاد، وهذا يفتح الباب أمام التفكير في كيفية تأثير الضغوط الجسدية والعقلية على الشيخوخة البيولوجية لدينا وما هو مطلوب للتعافي منها.
ويضيف: "في أغلب الأحيان، نفترض أن التعافي من الإجهاد البسيط عملية سلبية، ولكن قد لا يكون هذا هو الحال دائمًا، قد تكون قياسات العمر البيولوجي مفيدةً في الطب الشخصي، باعتبارها مؤشرات على الإجهاد والتعافي".
تعامل حذر
من المفيد للغاية استخدام تلك النتائج كنواة لأبحاث أخرى على البشر، ويجب أن نتعامل مع نتائج الدراسة بحذر شديد إذا أردنا أن نطيق ما توصلت إليه على الإنسان، لأن البشر بطبيعتهم أكثر تعقيدًا ومفهوم الإجهاد لديهم يختلف كليا عن الحيوانات، بل يختلف من دولة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر داخل البلد الواحد.
يتطلب تطبيق النتائج على الإنسان إجراء دراسات طويلة الأمد على مجموعة كبيرة من الناس، من أعراق مختلفة، ومجتمعات متنوعة، وأن يتم ذلك لفترة طويلة، الهدف أن نختبر إمكانية عكس العمر البيولوجي بعد التعافي من مسببات الإجهاد، التي لا تقتصر على العوامل التي قاستها الدراسة، لكنها تمتد إلى عوامل مثل الأمراض المزمنة، والمشكلات العائلية والنفسية، وخوض الاختبارات المهمة، والتعرض للأزمات الاقتصادية والسياسية.
وأخيرا، ما نزال لا نعرف ما هي جوانب الضغوط أو العوامل ذات الصلة المسؤولة عن تسريع الشيخوخة البيولوجية أو عكسها، وهذه هي الخطوة المنطقية التالية التي نسعى إليها، وإذا تمكنّا من تحديد مثل هذه العوامل، فقد نكون قادرين على منع تسارع الشيخوخة الناتج عن الإجهاد والمساعدة على التعافي.
الصيدلي إبراهيم علي أبورمان/ وزارة الصحة
اقرأ أيضاً:
التجارب السيئة في الطفولة تسرّع ظهور علامات الشيخوخة المبكرة