ما بين الواقع والدراما.. هل يتأثر الإنسان بما يشاهده لدرجة التحكم بالمشاعر؟

20230522T144642-1684756002518638700
ما بين الواقع والدراما.. هل يتأثر الإنسان بما يشاهده لدرجة التحكم بالمشاعر؟

لطالما أخذت الدراما التلفزيونية حيزا مهما من حياة مها محمد ( 28 عاما) التي تعتبرها أكثر من مجرد تسلية أو تضيع للوقت بل أصبحت ترتبط بحالتها النفسية بحسب قولها. 

اضافة اعلان


وتعترف مها أن المسلسلات و الافلام قادرة على ان تغير مزاجها للافضل أو تعكر صفو يومها، اذا لم تسر الاحداث كما تريد، مبينة بذلك أن هنالك ارتباطا وثيقا يجمع ما بين المسلسلات التي تشاهدها والحالة النفسية التي تمر بها في ايامها.


وتشير مها إلى ان الامر أصبح يضايقها كثيرا، إذ باتت لا تستطيع الفصل بين المسلسلات والواقع التي تعيشه وتقول "هذا غير الحزن الكبير اللي بعيشه مع الحلقة الاخيرة لكل مسلسل بحبه".


ومع ذلك تدرك تماما أن هذا أمر غير طبيعي إذ أصبحت تقيس تجارب هذه القصص على حياتها واحيانا اخرى تقلدهم بلا ادراك منها ولكن في نهاية الامر تحاول مها التركيز على ألا تتجاوز الحد.


وتفسر مها الذي يحدث معها بأنه يحدث بلا إرادة منها وقد تأقلمت عليه، وكذلك من حولها اعتادوا على ذلك منها لهذا لا ينزعجون منها.


بينما وائل (33 عاما) فقد أدرك مبكرا ان عليه الفصل بين الدراما التي يشاهدها والواقع الذي يعيشه والافضل ان يتعلم من التجارب التي يراها في المسلسلات وان يأخذ العبرة منها لا ان يقلدها بحسب قوله.


ويشير وائل إلى أنه توصل لهذا الامر بعد تجربة سيئة مر بها توقع بها ان يحصل معه كما كان يرى في المسلسلات ويعيش قصة حب جميلة وتفاجأ بحدوث العكس تماما ويقول "ادركت انه يجب ألا أقيس تجارب الآخرين على نفسي" بل يجب أخذ الدرس والاستفادة قدر الممكن منها والتعلم من هذه التجارب لا تقليدها.


وفي زمن تنوعت به المسلسلات التلفزيونية والافلام التي تعرض قصصا مختلفة ومشابهة لواقع نعيش به، هنالك كثيرون يتأثرون بها ويجدون في قصصها رسائل ومواقف تشبههم يتعلمون منها، بينما هنالك من يذهب لأبعد من ذلك ويسمح لها ان تتحكم بحالته النفسية ليفرح بها ويسعد أو يعكر مزاجه لقصة غير واقعية من نسج جيال الكاتب.


ومن جهة أخرى فإن العامل التكنولوجي يساهم في اتساع هذه الرؤية لنجد تشابها في كثير من المواقف حول العالم "نتشارك بها بالآلام والمصاعب والافراح ليتشابك الواقع بمسلسلات وافلام نشاهد عبر شاشات تضع سلطتها على حالتنا النفسية"، وما بين الواقع والدراما هل يتأثر الانسان بما يشاهده؟


من الجانب النفسي بينت المختصة النفسية عصمت حوسو ان الدراما التلفزيونية والفن في الزمن الماضي كان يسبق الواقع ويعبر عنه بينما الآن مع التغير الاجتماعي السريع والمتسارع ومع تطور التكنولوجيا والتغيرات العالمية والاتمتة وجميع هذه المدخلات الثقافية والتكنولوجية اصبح الفن "لا يلحق "بركاب الواقع بمعنى أنه غير قادر على ان يشمل الواقع.


وتوضح حوسو، أنه بالرغم من أن هذا القصص الموجودة في المسلسلات غير حقيقة، ولكن هنالك جزءا كبيرا منها حقيقي لانه موجود في الواقع الذي نعيشه، مشيرة إلى أننا في الماضي قبل التطور التكنولوجي والتواصل الاجتماعي والانترنت لم نكن نعلم بوجود هذه الأمور والتنوع لأن كل شخص كان ملهيا بالدائرة الضيقة ومجتمعه الصغير، ولكن الآن اصبحنا نتابع ونرى هذه القصص المختلفة على مواقع التواصل ونراها في المسلسلات ولا نستغرب من كم الشخصيات" السايكوباتية" الموجودة كأحداث مشابهة او قريبة منا حتى وان كانت بالحد الادنى لكنها موجودة.


وتشير حوسو إلى ان الدراما التلفزيونية والافلام تسلط الضوء على الشخصية الاجرامية المؤذية التي تؤذي الآخرين سواء كانوا اناثا او ذكورا لأن هؤلاء كثيرون ويعيشون بيننا ويجب أن يكون هنالك وعي منهم. 


وتشير حوسو إلى ان الجميل في الامر ان 90 % من الافلام والمسلسلات وبالذات العربية هي تجعل الحق ينتصر في النهاية ونحن نؤمن انه مهما انتصر الباطل بالنهاية "الحق يعلو ولا يعلى عليه" وهذه القاعدة تريح البشر، لذلك عندما تأتي الدراما وتثبتها وتجعل الانسان المظلوم والذي شعر بالقهر وتعرض لظلم وخيانة وأذى يأخد حقه وينتصر هذا يشعر الفرد انه في النهاية سيأخذ حقه بناء على مبدأ الكارما الدنيوية. 


ومن جهة أخرى فإن انتشار المسلسلات والبرامج التلفزيونية بأنواعها الاجنبية والاسيوية والكورية والتركية ساهم بانتشارها المنصات وخدمات البث الرقمية التي تشهد صعودا متسارعا على مدار السنوات الأخيرة، ولذلك نستطيع ان نرى ذات التجربة من جميع الثقافات. 


ولذلك فإن الانترنت والتواصل والثورة التكنولوجية وحدت التجربة الانسانية من حيث الرؤية بمعنى أننا نشاهد ذات المشاهد ونرى معاناة الشعوب جميعها والتقاطعات البشرية في المشاكل والمواقف ولهذا السبب نتأثر بها.


ووفق استطلاع  اجرته "نتفليكس" يشاهد 61 % من المستخدمين بانتظام من 2 إلى 6 حلقات من أحد العروض في جلسة واحدة.


وبمجرد أن يبدأ الناس بالمشاهدة لا يمكنهم التوقف، ويحدث ذلك لأن المشاهدة بشراهة تجعل الدماغ ينتج الدوبامين باستمرار وهو هرمون سعادة يشجع المشاهد على الاستمرار في الاستمتاع، بحسب ما نشر موقع "هيلث شوت".


 وذكر الموقع سلبيات المشاهدة بشراهة مركزا على انخفاض التواصل الاجتماعي والأرق وزيادة خطر التدهور المعرفي، إضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب وقد تسبب المشاهدة المستمرة اضطرابا مزاجيا وتغيرات سلوكية، بحسب الموقع.  


وتشير حوسو إلى أن تشابه المسلسلات التلفزيونية والدراما بالثقافات أمر طبيعي لانه بالنهاية هذا الانسان وهذه الحياة البشرية بهما تقاطعات وتشابهات كبيرة وبالطبع هنالك فروق في الثقافة من حيث اللغة والعادات والتقاليد وزاوية الرؤية للامور لكن بالنهاية نحن بشر، وهذا يعني ان هنالك الكثير من الملامح العامة تجمعنا جميعا.


يتأثر الفرد بالدراما لانه قد يكون هنالك تقاطع لمأساة او تجربة سيئة مر بها بحسب حوسو، لذلك عند مشاهدتها تعمل اضاءة بداخله عليها، لذلك يكون متلهفا ليعرف ما الذي سيحصل لكي يطمئن على نفسه او يتذكر قصة حدثت معه لذلك يتعايش معها ويعيشها، وفي بعض الاحيان تكون أملا يتمناه الشخص من هذه الدراما فيعيش معها عليه، وهذا الامل يبقى معه وقد يحدث هذا معه بناء على الذي شاهده سواء رومانسيا او مهنيا او عائليا او مشكلة معينة فقد يكون تقاطعا يثير ذكريات او مشاعر مكبوتة مؤلمة تخرج منه او رغبة بأمل يتحقق. 


ومن جانب آخر فإن هنالك اشخاصا يشعرون بالراحة في بعض الاحيان عندما يتيقنون انهم ليسوا وحدهم من يعانون وان هنالك غيرهم في الكرة الارضية عاشوا مأساتهم او سوف يعيشونها لأن جميع المآسي الانسانية فيها ملامح مهمة متشابكة ومتقاطعة ومتشابكة الى حد ما.


وتشير حوسو إلى ان الخطورة تكمن بأن هنالك من لا يفصل ويعيش الدور ويتقمص الشخصية او يقلدها وهنالك كثير من هذه الحالات لمن يقلد الفنان والشخصية لكي يصبح مثله.


ووفقا لهذا يحدث مشاكل إذ لم نفصل بحسب حوسو، مشيرة إلى أننا نشاهد للتسلية او التوعية او لتضييع الوقت او لأي سبب كان، ولو تأثر الانسان يجب ان يفصل ويعود للواقع ويتعامل معه.


وتختتم حوسو حديثها مؤكدة ان القصة بحيثياتها غير حقيقة، لكنها تعكس ملامح حقيقة كبيرة في مجتمعنا وموجودة تماما، فكل دراما تحمل رسالة بداخلها ولهذا اصبحت هنالك اهمية لنشر الوعي وان ليس "كل ما يلمع ذهبا".


وهنا تكمن أهمية الاهل والمؤسسات والاشخاص الموجودين حول الانسان في الجلسات والمؤسسات والمدارس والجمعات ومناقشة هذه الدراما واين هي التقاطعات، وكيف نستفيد من هذا الفن وليس فقط ان نشاهد بل يجب ان نتعلم منها ولو جملة أو حديث من موقف ومن كل ما نشاهده او على الاقل يكون لدينا الوعي لكي لا نكرر التجارب المؤلمة التي تعرض لها البشر.

 

اقرأ أيضاً:

 القواسمي: الفن لغة تخاطب وجدان الناس والدراما تنقل الواقع