يوسف.. كتابات إنسانية وطموح لمجتمع أكثر تقبلا للإعاقة

1685184019076035500
الكاتب يوسف حامد

بثقة لا تعرف العجز؛ يحمل الكاتب يوسف حامد رسالته الفكرية والإنسانية لينقل كل ما يشعر به على الورق باحثا عن واقع أفضل يجسده فكره وإحساسه.

اضافة اعلان


 يحاول أن يضيء على قضايا كثيرة تخص الناس والشارع، فإصابته بشلل الأطفال في صغره كانت منعطفا حقيقيا في حياته إذ أفقده الشلل القدرة على المشي، لكنه لم يطفئ شرارة الحلم في داخله وإنما ظل عنيدا صلبا لم يسمح للظروف بأن تصادر حقه بالحياة، وبأن يكون شخصا مميزا له أفكاره ورؤيته الخاصة وبصمات تثبت أن الإنجاز يحتاج فقط لإرادة. 


يوسف تميز في مجال الكتابة فكان حريصا على أن يكون له اسم ومكان في مجتمع يريده قويا حتى يكون حضوره استثنائيا ولافتا فاستطاع بالصبر والاجتهاد أن يوثق وينشر عدة أعمال أدبية مثل مجموعته القصصية "يوسف في البئر" وصدر له كتابان "كليب أو نحرق البلد"، و"نحت على جدار من ورق"، كما له اليوم مساهمات في صحف محلية وتحديدا في الصفحات الثقافية.


وفي حديثه لـ "الغد"؛ يبين يوسف أن سبب الإعاقة لديه يعود إلى تفشي فيروس شلل الأطفال في سبعينيات القرن الماضي وبسبب قلة الوعي التي أدت إلى انتشاره انتشارا واسعا في تلك الفترة، إضافة إلى الأخطاء الطبية في كيفية التعامل مع الحالات المصابة، وبطبيعة الحال فقد كان التعايش مع الإعاقة وخاصة في ذلك الوقت أمرا صعبا للغاية، حيث أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية آنذاك كانت تشكل عبئا حقيقيا على الأشخاص من ذوي الإعاقة وعائلاتهم، كما أن قلة الخدمات المقدمة زادت الوضع سوءا، لكن بالرغم من ذلك كان لا بد من التأقلم مع تلك الظروف وتقبلها حتى لو قصرا فليس هناك أي حل آخر. 


ومن وجهة نظره، يرى يوسف أن الإعاقة مع كل العقبات التي ترافقها إلا أنها تشعل في الإنسان روح التحدي وتجعله أكثر إيمانا بنفسه وبما لديه من طاقة وتصميم على النجاح، فالحياة هي نفسها "لكن نحن من نصنع الفرق بقدراتنا المختلفة والرغبة في الإنجاز دائما وتحقيق ما نطمح إليه".


 العقبات وفق ما يقول، لا تمنع النجاح بل تصقله، وتُشعر صاحبه بقيمة كل ما قدمه ليكون في هذا المكان، فهو لم يصل إلى ما هو عليه إلا بعد تعب ومحاولات وجهد كبير. يقول؛ "إذا كان الألم محفزا للإبداع فإن النظرة السلبية أيضا تجاه الإعاقة تخلق في الإنسان طاقة إبداعية هائلة.. ولهذا أجد أن الإعاقة في بعض نواحيها قوة إيجابية محرضة على التميز بشرط أن تكون الفرص متاحة للجميع دون أي قيود. 


حاصرته الكثير من التحديات في بداية حياته، لكنه لم يقرر الوقوف أو التخلي عما يريد، فهو اختبر الصعوبات بقلب راضٍ يطمح للتغيير وتحقيق أحلام لطالما تمناها.

 

اصطدم ببيئة غير مهيأة مثل البنية التحتية للمرافق، ما قيّد حركته وحرمه من التنقل لفترة كبيرة، فلم يكن يستطع الوصول إلى المدرسة كبقية أقرانه وأخذ حقه الطبيعي في التعليم، كما حال بينه وبين التحاقه بالمدرسة أيضا عدم وجود المدارس الدامجة في ذلك الوقت ونظرة المجتمع القاسية والقائمة على التعاطف السلبي الذي يحد من إبداع الشخص ذوي الإعاقة وينتقص من كرامته. 


أما عن المحطات الفارقة والمضيئة في رحلته، فيبين يوسف أن البداية كانت عندما قرر أن يثقف نفسه ويعوض كل ما فاته في الدراسة وكان ذلك في الثانية عشرة من عمره عندما وعي أن من حقه أن يتعلم كغيره، ورأى أن الإعاقة لا يمكن أن تكون سببا في استسلامه لظروفه وانطوائه على نفسه. 


يوسف تعلم الحروف فكانت خطوته الأولى ليقرر بعدها أن يسجن نفسه خمسة أعوام كان فيها الكتاب الصديق والمرشد، فنهل من المعارف ما جعل منه شخصا على درجة من الثقافة والوعي ثم تقدم بعدها لشهادة الثانوية العامة وتمكن من اجتياز المرحلة بنجاح متخطيا تجربة الدخول إلى المدرسة.

 

ومن محطة إلى أخرى كان يوسف يزداد ثقة بإمكاناته فهو آمن بأن الإعاقة بوصلته للإبداع فاستطاع دخول الجامعة تخصص اللغة العربية وآدابها. يوسف عرف جيدا كيف يثبت نفسه ويكون له وجود في مجتمع متباين في نظرته تجاه الإعاقة.  وعن المحطة الأهم في حياته والتي يعتبرها نقطة تحول يقول يوسف، "اكتشافي لموهبة الكتابة وتطوير قدراتي الأدبية وأيضا التعبير عن نفسي وعن مجتمعي من خلال الحرف والكلمة كانت مرحلة جديدة زادتني تصميما وإرادة".


 أحيط يوسف بالاهتمام والحب والتشجيع ومن الأشخاص الذين ساندوه وشدوا على يديه ليكون الشخص الذي هو عليه اليوم، عمه حسين علمه القراءة والكتابة وكان يهديه الكتب ليثريه ثقافيا وفكريا، لافتا إلى أنه حتى الآن ما يزال السند له والمشجع لخطواته. 


ولا ينسى فضل والدته الأمّية والتي كانت له نورا أضاء له كل عتمة، يقول عنها هي الأمان والحضن والحياة كلها بالنسبة له، أهدته العديد من الكتب ولا يزال إلى اليوم يحتفظ بكتاب رياض الصالحين وهو أول كتاب أهدته إياه. وأكثر ما كان يسعدها ويشعرها بالفخر تلاوته للقرآن أمام الآخرين. ويوضح يوسف أن موهبة الكتابة تشكلت لديه من خلال قراءته وحفظه للكثير من الأشعار والأناشيد. يقول "كنت حينما أخلو بنفسي أكتب بعض الأشعار فأتناول فيها القضايا التي تهمني والتي أريد تسليط الضوء عليها، ثم تطور الأمر بعد ذلك حتى وصل لترتيب أول مخطوط لي كان عبارة عن ديوان شعر بسيط". 


وفي التسعينيات كتب مسرحية تم تمثيلها على مدرج سمير الرفاعي في الجامعة الأردنية بعنوان "استثناء" وفي عام 1997 حصل على الجائزة الأولى لرابطة الكتاب الأردنيين لغير الأعضاء في مجال القصة القصيرة.

 

وقد توالت إصداراته الأدبية فانتشرت مجموعته القصصية الأولى يوسف في البئر بدعم من وزارة الثقافة في العام 2008، ثم صدر له كتابان بالاشتراك مع بعض المؤلفين هما "كليب أو نحرق البلد"، "النحت على جدار من ورق"، وتم نشر بعض القصص له في الصحف المحلية، ونص نصيص والغولة البلهاء وهو كتاب إلكتروني للأطفال وهناك أيضا بعض الأعمال المخطوطة التي لم تنشر بعد.


ومن المشكلات التي واجهته ككاتب ومؤلف بعده عن دائرة الاهتمام الرسمي، مبينا أن كتاباته يغلب عليها الهمّ العام والسياسي والواقع المعاش أما عن الشريحة التي يتوجه إليها في كتاباته فيكتب لجميع الشرائح سواء الناشئة أو البالغون أو حتى الأطفال، وله ديوان شعر للأطفال سيصدر قريبا.

 

كما يسلط الضوء على مواضيع تخص الشأن العام العربي كالمواطن المسحوق وقضايا المرأة والطفل بالإضافة لمواضيع تخص الأشخاص ذوي الإعاقة ويختم حديثه بالقول أطمح أن أرى المجتمع أكثر وعيا وطمأنينة وتقبلا.

 

اقرأ أيضاً: 

ثروت الحديد تتحدى إعاقتها البصرية وتحترف فن الطهي وتوثيق الوصفات