وخلال الجلسة التي التأمت، أول من أمس، لبحث تدهور الأوضاع في هذه المنطقة المتنازع عليها منذ عقود، اتهم وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان أذربيجان بأنها تنفذ ما وصفها بسياسة تطهير عرقي في الإقليم، وطالب مجلس الأمن الدولي بالتحرك تجاه ما يحدث.
كما اتهم الوزير باكو أيضا بشن "عمليات قصف مكثفة وعشوائية وباللجوء إلى المدفعية الثقيلة، بما في ذلك الاستخدام المحظور لذخائر عنقودية".
وفي المقابل، قال وزير خارجية أذربيجان جيهون بيراموف، إن إجراءات ما وصفها بمكافحة الإرهاب التي اتخذتها بلاده تجري داخل أراضيها السيادية، في امتثال كامل للقانون الدولي.
وندد بيراموف بـ"حملة تضليل" تشنها يريفان المتهمة بـ"إمداد الانفصاليين ودعمهم" في قره باغ، واصفا مجلس الأمن بأنه "منحاز".
وكان الجيش الأذري شن، الثلاثاء الماضي، عملية عسكرية خاطفة استولى خلالها على عشرات المواقع العسكرية للانفصاليين الأرمن في قره باغ، وبعد "وساطة" روسية وافق المسلحون الأرمن على إلقاء السلاح، فيما أعلنت باكو بسط سيادتها على الإقليم.
ومن جهتها، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي دعت إلى عقد هذه الجلسة العاجلة، إنه يتعين على أذربيجان أن تقبل بوجود إنساني دولي في قره باغ، واعتبرت أنه من دون ذلك وضمانات أخرى لا يمكن أن يكون هناك حل.
وبدوره، حذر ميروسلاف جينكا الأمين العام المساعد لأوروبا وآسيا الوسطى والأميركتين من انتكاسة جهود السلام في الإقليم.
وقال جينكا إن الأولوية هي حماية المدنيين، داعيا إلى وقف ما سماها جميع الأعمال العدائية.
وأبدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أسفها لأن "أذربيجان حاولت بالقوة فرض أمر واقع"، فيما دعا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجانبين إلى "استئناف المفاوضات في شأن كل القضايا العالقة بهدف التوصل إلى معاهدة سلام".
وقالت المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد، إن أذربيجان تتحمل مسؤولية ضمان امتثال قواتها بشكل صارم للقانون الدولي.
وفي واشنطن، تقدم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي وعدد من الأعضاء بمشروع قانون لدعم الأرمن يتضمن محاسبة نظام الرئيس الأذري إلهام علييف على ما أسماه "الفظائع ضد أرمن قره باغ".
وأول من أمس، عقدت جولة أولى من المحادثات بين طرفي الصراع في مدينة يفلاخ غرب باكو برعاية روسية.
ووصفت الرئاسة الأذرية الاجتماع بالبناء، وقالت إنه تمت مناقشة قضايا إعادة إدماج السكان الأرمن في الإقليم وتنظيم العمل وفقا لدستور وقوانين أذربيجان.
ومن جهته، قال سامفيل شهرمانيان مستشار زعيم أرمن قره باغ، إن العمل ما يزال جاريا على تفاصيل الاتفاق، ومنها تلك المتعلقة بتسليم السلاح.
وفي المقابل، قال مستشار للرئيس الأذربيجاني "سنتخذ إجراءات ضد مقاتلي قره باغ الذين يستخدمون القوة ضدنا"، مؤكدا حرص بلاده على دمج أرمن قره باغ في أذربيجان واقتراح عفو محتمل عن التشكيلات العسكرية التي ستتخلى عن أسلحتها.
وفي أرمينيا، اتهم رئيس الوزراء نيكول باشينيان روسيا بالإخفاق في مهمة حفظ السلام في الإقليم، لكنه طمأن مواطنيه أنه "لا يوجد في الوقت الراهن تهديد مباشر على حياة أرمن قره باغ"، قائلا "نحن مستعدون لاستقبال النازحين لكننا لا ننخرط في سياسة إجلاء سكان الإقليم".
كما ذكرت وسائل إعلام أرمينية، أن باشينيان لا ينوي الاستقالة على خلفية الغضب الشعبي من اتفاق أرمن قره باغ مع أذربيجان، في حين يرى مراقبون أن غضب الشارع غير قادر على تغيير المشهد السياسي.
وانتهت الجولة الأولى من مباحثات دمج الأقلية الأرمينية بإقليم قرة باغ بين ممثليها والجانب الأذري دون الإعلان عن اتفاق بهذا الشأن.
فبينما شدد الدكتور ألكسندر ماركاروف (مدير الفرع الأرميني لمعهد رابطة الدول المستقلة) على ضرورة أن يشمل الاتفاق "ضمانات أمنية دولية" تحفظ حقوق الأقلية الأرمينية، لم ير فؤاد شيراقوف (نائب مدير مركز دراسات جنوب القوقاز) ضرورة لذلك، في ظل توافرها في الدستور الأذري وتشريعاته واتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعت عليها باكو.
وخلال تلك المباحثات التي عقدت جولتها الأولى في أذربيجان برعاية روسية، طالب الجانب الأرميني بما سماها "ضمانات أمنية"، متهما الجميع، بما فيهم روسيا والغرب وأرمينيا، بالتخلي عنهم. بينما وصفت الرئاسة الأذرية تلك الجولة -التي انتهت دون نتائج- بأنها انعقدت في أجواء إيجابية بل كانت بناءة.
وأشار ماركاروف إلى أن الجولة الأولى من المباحثات تأتي ضمن مفاوضات لم تقم كما يظن البعض على مناقشة استقلال الإقليم، وإنما مستقبل علاقات سكانه الأرمن مع باكو التي تطرح الدمج، بينما تسعى الأقلية الأرمينية للحصول على حكم ذاتي كامل، يبدو أنه لا فرصة للوصول إليه عبر القتال.
ومن ثم، فإن مدير الفرع الأرميني لمعهد رابطة الدول المستقلة يرى ضرورة حصول الأقلية الأرمينية على ضمانات دولية تحفظ كرامتهم.
وفي هذا السياق، اعتبر ماركاروف "أن سجل أذربيجان في الملف الحقوقي غير مطمئن، رغم ما يقدمون أنفسهم به من كونهم بلدا ذا أعراق متعددة، ويشدد على أن الضمانات المطلوبة يؤيدها المجتمع الدولي وروسيا وأرمينيا، وهو دليل حسب تقديره على أنه لا يمكن الوثوق بحكومة باكو وما تقدمه من وعود والتزامات".
وأبدى ماركاروف أسفه لعدم تمكن قوات حفظ السلام الروسية من الحفاظ على وضع وقف النار الذي انتهكته قوات أذربيجان واستهدفت مدنيين وعسكريين، وهو ما يؤكد ضرورة عدم إقرار الاتفاق دون الحصول على تلك الضمانات الدولية، حسب قوله.
وفي المقابل، يشدد شيراقوف على أن ما حدث لم يكن حربا شاملة، وإنما إجراءات أذرية محلية كافحت من خلالها منظمات إرهابية، ومجموعات مسلحة على أرض معترف بها دوليا كجزء من أراضي أذربيجان.
ولفت في تصريحات صحفية إلى أن الهدف من تلك العملية كان إزالة الألغام التي قتلت 7 مدنيين، واستمرار رفض أرمن الإقليم الانخراط في مفاوضات مباشرة اتفق عليها في نتائج ما انتهت إليه المواجهات العام 2020، حيث تسعى باكو لتعزيز خطة الدمج المستهدفة.
وفي هذا السياق، عدد شيراقوف ما اعتبرها ممارسات إرهابية لمجموعات مسلحة على مدى 3 عقود، كان من المفترض أن تنسحب وفق الاتفاق الذي رعته روسيا بين أذربيجان وأرمينيا، لكن الأخيرة نفت بعد ذلك أن يكون لها قوات عسكرية بالإقليم، قبل أن تعترف، أول من أمس، بأن هناك قوات سيتم سحبها.
ونفى نائب مدير مركز دراسات جنوب القوقاز وجود أي تجاوزات بحق الأقلية الأرمينية، مشددا على أن أذربيجان دولة متعددة الأعراق، وأن الأقلية اليهودية والمسيحية شاركت في حروب البلاد طوعيا دفاعا عن سيادة أراضيها، وهو ما يؤكد عدم وجود أي تمييز ضد الأقليات.-(وكالات)