النساء في الحروب.. متى ستتوقف نكات اللجوء المسيئة بحقهن؟

1645893520031766700
1645893520031766700
سارة زايد عمان – لم تكن مفردة “حرب” سوى ثلاثة حروف ثقيلة على اللسان، يشتَمُّ المرء عند ذكرها رائحة دم وبارود، يتخيل نفسه بين ضحاياها منتظراً دوره بأن يجرح أو يقتل أو يغادر أرضه قسراً. لم يكن من المتوقع، أيضاً، مجيء يوم تصبح فيه كلمة “حرب” لصيقةً بالنكات في عالم الفضاء الإلكتروني، وكأن مروجيها اعتادوا على مشاهد القتل لدرجةٍ تخولهم بأن يصنعوا من هذا الحدث الدموي مواد هزلية دون أن يرف لهم جفن. “هاجرن عنا ومنحطكن ببيوتنا وعيونا”، “بخلي مرتي تترك البيت وبستقبلك”، “تزوجن يا بنات قبل ليجن الأوكرانيات وتعنسن”، “لا تتسرع في الزواج سيكون هناك نازحات ولاجئات أوكرانيات وروسيات قريباً”. يشيع استخدام هذه النكات وما تحتويه من جوع جنسي في كل مرة تكون فيها إحدى البلدان الغربية، أو حتى المجاورة، على شفا حرب محتملة، كان آخرها مايحصل من صراع روسي أوكراني. نادراً ما ينظر إلى الدعابة ذات السياق الذكوري على أنها مؤذية أو سلبية، لأنها لن تكون سوى “مزحة” بالنسبة لقائلها، وهو التبرير الأسهل الذي يتسلح به ليضمن خلاصه من المساءلة والعقاب. نتيجة لذلك، فإن التحصن بحجة “المزاح”، يجعل من الممكن قول أشياء عادةً ما تكون متحيزة جنسياً وغير مقبولة مجتمعياً فقط لأنها قيلت بنبرة فكاهية.

نكات ذكورية لإبراز رجولة غائبة!

أظهرت دراسة أميركية نشرت في مجلة مونتريال الكندية، أن الرجال الذين يلقون نكات جنسية، وتلك التي تحث على التحرش بنوعيه اللفظي والجسدي، يمتلكون شكوكاً كبيرة حول رجولتهم، لذا تراهم يستمتعون بفكاهة التحيز الجنسي لأنهم يعتقدون أنها تغذي رجولتهم. نتيجةً لذلك، فإن إلقاء “الذكر” نكاتاً مبتذلة أثناء الحروب حول الرغبة في الزواج من لاجئة أجنبية، والبدء بمقارنات نزقة بينهن وبين نساء وطنه، ما هي إلا وسيلة لعلاج تدني احترام الذات لديه، خاصة عندما يشعر بأن رجولته باتت مهددة وحان ميعاد إيقاظها.

النكات الذكورية، ماذا تحمل في طياتها؟

الناشطة النسوية والباحثة في علم الاجتماع، دعاء عيسى، تشير في حديثها مع “الغد” إلى عدم إمكانية الجزم بأن كل من يتداول نكات ذكورية تجاه الضحايا، يفتقر للإنسانية وحس التعاطف معهم. وتضيف: لكني أستطيع القول بأن من يمارس سلوكاً كهذا، هو بالضرورة يستشعر وجود قوة لديه، وهذه القوة تُرضي ذكوريته أحياناً. وعند سؤالها حول المقارنات التي يبدأ الذكور بنسجها بين نساء وطنه ونساء الغرب أو حتى البلدان المجاورة توضح: لربما يرجع سبب ذلك لانعدام وجود فرص لديه في أن يكون مرتبطاً بإمرأة عربية، وبالتالي يريد أن يخفف عن نفسه بأنه لا يرغب بالزواج من عربية أصلاً، وفي بعض الحالات قد تكون هذه المقارنة تعبيراً عن رغبة لديه في الارتباط بامرأة أجنبية. وتستطرد: في أحيان أخرى قد لا يكون هنالك أي معنى لهذه المقارنات، فهو يقوم بها، ويود أن يكون مع امرأة عربية تتشابه معه، فتأتي مقارنته في هذه الحالة من باب السخرية على الذات، فهو عندما يسخر من المرأة العربية، بشكل أو بآخر: يسخر من نفسه، وقد لا تكون لهذه السخرية أي نظرة متدنية للذات، بل مجرد (تسلية) لا أكثر. أما عن كيفية مواجهة مثل هذه السلوكيات المتمثلة بالسخرية حيناً والمقارنة في أحيان أخرى، تضيف عيسى: لا أعلم؛ لأن الدوافع تختلف من حالة لأخرى، وما يترتب على مثل هذه السلوكيات من انعكاسات مباشرة أو غير مباشرة تمس النساء المحيطات بهذا الرجل، أيضاً مختلفة، وبناءً على ذلك يجب أن تكون الحلول مختلفة، وعليه لا يسعني التعامل بقوالب جامدة، تتعامل مع الرجل العربي على أنه نسخة واحدة في كل مكان، حتى وإن كان القصد متمثلا في الرجل العربي الذي يمارس سلوكاً معيناً.

وجهة نظر قانونية

يؤكد الخبير الحقوقي والمحامي صدام أبو عزام أن ما ينشر من نكات تخص الحروب على وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر انتهاكاً لحق من حقوق الإنسان بشكل عام، وقبل ذلك فهو انتهاك لأخلاقيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. كما أنه انتهاك لحق الإنسان في الصورة، إذ إن حق الشخص في الصورة هو حق ذو طابع شخصي للفرد، له بموجبه أن يمنع غيره من أن يرسمه أو يصوره إن لم يكن هو نفسه راغباً في إبراز الصورة، وبإمكانه الاعتراض على نشرها وعدم إظهاره إلا بالصورة التي يوافق عليها، وفقا لأبو عزام. والنشر يحتاج التصريح بقبول التصوير وغيرها من الإجراءات التي يجب أن لا تنتهك الحق في خصوصية الإنسان. هذا الحق الذي كفلته العديد من المعاهدات الدولية والإقليمية؛ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الحق في الخصوصية المادة 17 منه، يؤكد أبو عزام. ويستطرد: كما أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004 كفل الحق في الخصوصية، إذ لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي وغير قانوني للتدخل في خصوصيته أو شؤون أسرته، والتشهير الذي بمس شرفه وسمعته وهذا يشمل حالته في الظهور على وسائل الإعلام. يؤكد أبو عزام أن التعامل عبر وسائل التواصل عوضاً عن أن يكون قضية إنسانية تنتصر لأوضاع حقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني والحض على إنهاء الحروب والبحث عن حلول للمشردين والذين يعانون من ويلات الحرب وإشكالياته، فإنه يجعل حالة التعاطف المبنية على القيم الإنسانية في أدنى مستوياتها، وهو مؤشر خطير في مسألة التعامل الأخلاقي مع القضايا الإنسانية. اقرأ المزيد: اضافة اعلان