وذكرت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء أن الانفصاليين الأرمن في قره باغ وافقوا على شروط وقف لإطلاق النار اقترحته قوات حفظ السلام الروسية بعد تعرضهم لسلسلة انتكاسات في أرض المعركة على يد جيش أذربيجان.
وأفادت وكالة الأنباء الأرمينية أيضا بأن سلطات قره باغ وافقت على وقف لإطلاق النار اقترحته قوات حفظ السلام الروسية، ويعني اتفاق وقف إطلاق النار حل قوات الانفصاليين وسحب كل الأسلحة الثقيلة، بحسب ما ذكرت إنترفاكس.
وأعلنت أرمينيا أمس أن 32 شخصا قتلوا وأكثر من 200 جرحوا خلال العملية العسكرية الاذرية والتي بدأت صباح أول من أمس في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها مع أرمينيا.
وقال الرئيس السابق لحكومة المنطقة الانفصالية روبن فاردانيان في إدارة قره باغ التابعة للأرمن إن نحو 100 قتلوا وأصيب مئات آخرون منذ بدء أذربيجان عمليتها العسكرية، في حين أجلت قوات حفظ السلام أكثر من ألفي مدني من المنطقة.
وأكد فاردانيان من قره باغ "هذه حرب كبيرة، أذربيجان بدأت عملية كاملة، وهي في الأساس عملية تطهير عرقي".
ونددت أرمينيا التي كانت تجري محادثات سلام دورية مع أذربيجان، من بينها ما يتعلق بمستقبل قره باغ بما وصفته بـ"العدوان الشامل من باكو" على شعب الإقليم، واتهمت أذربيجان بقصف بلدات وقرى.
في المقابل، قالت أذربيجان إن قصدها هو "نزع السلاح وضمان انسحاب تشكيلات القوات المسلحة الأرمينية من أراضينا، وتحييد بنيتها التحتية العسكرية"، وأكدت أن عمليتها مستمرة بنجاح.
وكانت وزارة الدفاع في أذربيجان أعلنت مساء أول من أمس أن قواتها سيطرت على 60 موقعا للقوات الأرمينية في إقليم ناغورني قره باغ بعد ساعات من شنها عملية عسكرية تستهدف نزع سلاح الانفصاليين بالإقليم.
وقالت الوزارة في بيان إن قواتها دمرت عددا من نقاط إطلاق النار التابعة للقوات الأرمينية، مؤكدة أن العملية العسكرية مستمرة بنجاح.
وقبل ذلك، نشرت وزارة الدفاع الأذرية بيانا قالت فيه إن العملية تستهدف إخراج التشكيلات المسلحة الأرمينية من أراضيها.
كما نقلت وكالات أنباء روسية عن الإدارة الرئاسية في أذربيجان قولها إن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن أذربيجان لن توقف عمليتها إلا بعد أن يلقي المقاتلون الأرمن أسلحتهم ويستسلموا.
ومنطقة قره باغ الجبلية معترف بها دوليا على أنها جزء من أذربيجان، لكن جزءا منها تديره سلطات انفصالية من عرقية الأرمن تقول إن المنطقة وطن أجدادها.
وسيطرت أرمينيا على مساحات واسعة من ناغورني قره باغ في حرب اندلعت مع انهيار الاتحاد السوفياتي، واستعادت أذربيجان معظمها في صراع استمر ستة أسابيع في عام 2020 وانتهى باتفاق لوقف إطلاق نار بوساطة روسية.
ونقلت وسائل إعلام أرمينية عن زعيم الانفصاليين في قره باغ قوله إنه قواتهم "مضطرة لاتخاذ خطوات للدفاع عن أمن الإقليم"، مشيرا إلى أن الجهات الدولية لم تتخذ أي خطوات عملية لوقف التصعيد في قره باغ.
وفي وقت سابق، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالات مع كل من رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، وحث أذربيجان على "وقف الأعمال العسكرية على الفور" وتهدئة الوضع.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية عن الاتصال الهاتفي إن علييف "عبر عن استعداده" لوقف الأعمال القتالية وعقد اجتماع مع ممثلي ناغورني قره باغ، وإن بلينكن قال لباشينيان خلال اتصالهما إن أرمينيا تحظى بدعم واشنطن الكامل.
بدوره، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى "وقف القتال على الفور" بعد أن أدان الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا العملية العسكرية الأذربيجانية.
ودعت موسكو في وقت مبكر من أمس الجانبين إلى وقف إراقة الدماء والأعمال القتالية والعودة إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 2020.
وتسعى روسيا مع انشغالها بالحرب في أوكرانيا إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة التي تتقاطع فيها خطوط أنابيب للنفط والغاز، في مواجهة نشاط أكبر من جانب تركيا التي تدعم أذربيجان.
وتوترت العلاقات بين روسيا وأرمينيا الحليفتين التقليديتين على نحو سيئ منذ أن بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربا في أوكرانيا عام 2022، وتفاقم التوتر في الأشهر الماضية بسبب ما تقول أرمينيا إنه فشل موسكو في الالتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020.
يذكر أن الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على أقليم ناغورني كراباخ في منطقة القوقاز، تشكل منذ عدة عقود، ويتجدد بشكل مستمر وأشعل أكثر من حرب بين البلدين.
ومنذ عام 1992 إلى عام 1994، حاولت أذربيجان السيطرة على الاقليم وكانت تلك عمليات عسكرية واسعة النطاق، قُتل خلالها ما يصل إلى 30 ألف شخص.
ففي عام 1994، اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار، لكن وضع الجمهورية المعلنة في قرة باغ من جانب الانفصاليين الارمن لم يتحدد أبدًا.
ومع نهاية أيلول (سبتمبر) 2020، استؤنف القتال، واستعادت فيه اذربيجان معظم اراضيها في قره باغ وفي 10 تشرين ثاني (نوفمبر) من العام نفسه، اتفقت أذربيجان وأرمينيا، بدعم من موسكو، على وقف إطلاق النار بشكل كامل، والبقاء في المواقع المحتلة وتبادل الأسرى وجثث القتلى.
وتمركز بعدها قوات حفظ سلام روسية في المنطقة، وفي العام الماضي، بدأت يريفان وباكو، من خلال وساطة روسيا مناقشة معاهدة سلام مستقبلية.
ويقول الخبير في شؤون دول القوقاز أندريه زايتسيف، إن معارك عام 2020 بين الطرفين أظهرت أن جيش أذربيجان أقوى بكثير من نظيره الأرميني، وإذا اندلعت حرب الثالثة فستكون أمام النتيجة نفسها.
وأضاف أنه "بموجب اتفاق سوتشي الذي تم توقيعه بموسكو بشأن نشر قوات حفظ السلام الروسية في الإقليم، فإن عمل تلك القوات سينتهي هناك في غضون عامين ونصف، وإذا لم يتم تمديده ستتجدد المعارك ونشهد حربا ثالثة بين الطرفين وإن كانت ملامحها بدأت بالظهور حتى قبل نهاية المدة المحددة.
أما الخبير العسكري الروسي فلاديمير إيغور فيقول إن هجوماً من هذا النوع على الأراضي الأرمينية يمكن أن يتحول إلى "حرب إقليمية" موسعة.
وحال اشتعال المعارك قد تدخل تركيا حليفة أذربيجان وعدو أرمينيا على الخط مقابل إيران الخصم التاريخي لأذربيجان والتي تراقب توسع النفوذ التركي في منطقة القوقاز.
يبدو أن النفوذ الروسي بدأ يتضاءل في البلدين بعد تأليب الرأي العام الأذربيجاني ضد روسيا وقوات حفظ السلام عقب حرب أوكرانيا.
ويقول أن أرمينيا حرفت بوصلتها بعدما رأت أن الدعم العسكري الروسي ليس مفيدا كما في السابق، كما أن تقارب موسكو مع أنقرة، حليف أذربيجان، يغضب أرمينيا.-(وكالات)