فمنذ سنوات تنتهج الحكومة الصينية نهجا دبلوماسيا يهدف لإبراز حضورها السياسي والاقتصادي، وتطوير علاقات مع دول عانت من سنوات الحرب والعزلة، كحال سورية.
أما دمشق فتسعى إلى كسب دعم دول حليفة لمرحلة إعادة الإعمار بعد مرور 12 عاما على تفجر صراع دمر بناها التحتية، وفرض عقوبات اقتصادية غربية لطالما اعتبرتها سورية سببا أساسيا للتدهور المستمر في اقتصادها.
وفي خطوة تساهم في تحطيم أسوار عزلة دمشق الدبلوماسية، كانت بكين وجهت دعوة رسمية للأسد وعقيلته لحضور افتتاح دورة الألعاب الآسيوية في نسختها التاسعة عشرة بمدينة هانغتشو الصينية، اول من أمس.
في إجابة عن هذا السؤال، رأى الدكتور نبيل سرور، أستاذ العلاقات الدولية والباحث في الشؤون الصينية، أن الاهتمام الذي حظيت به زيارة الأسد أتى في إطار اهتمام الصين بالمنطقة ككل. ويحمل في طياته رسالة بالتحرك لكسر القيود الغربية والعقوبات الأميركية المفروضة على سورية، لافتا إلى حجم الاستقبال الرسمي هناك.
كما وصف ذلك برسالة صينية مفادها الرغبة في تأمين حلفاء جدد وتحقيق مصالح على المستويين السياسي والاقتصادي، مشددا على أن للزيارة دلالات كبيرة.
إلى ذلك، أوضح أنه يمكن لسورية أن تستفيد كثيرا من الصين "التي تعرف بأنها جبار تكنولوجي يمتلك إمكانات ضخمة"، مشيرا إلى أن الاستثمارات المشتركة تتيح تحقيق هذه الفائدة. وتابع "صحيح أن الصين تنظر للمنطقة بعين مصالحها، لكن في نفس الوقت يمكن لدمشق الاستفادة من خلال إشراك الصين بمجموعة من المشاريع الداخلية في البنى التحتية والإنشاءات وإعادة الإعمار، لأن الدمار الذي خلفته الحرب في سورية كبير جدا ويحتاج لجهد كبير".
من جانب آخر، رأى أنه من المفيد للصين أيضا إيجاد موطئ قدم في سورية التي لديها "موقع إستراتيجي شكل نقطة جذب للعديد من الدول". ووصف الخيار السوري بالتوجه إلى الصين "بالخيار الجريء الذي كان لا بد منه لعدم وجود خيارات بديلة"، مشيرا إلى أن روسيا تستهلك مواردها في الحرب في أوكرانيا "وبالتالي فإن التطلع نحو بكين قد يكون خطوة ذكية من قبل دمشق.
أما عن نتائج الزيارة فأوضح أنه "يتوجب الانتظار أربعة أو خمسة أشهر حتى تلمس تغييرا ما". ولفت إلى أن مسألة قدوم الصين إلى سورية بشركاتها ومستثمريها تحتاج بيئة آمنة، بينما البلاد حاليا غير مستقرة"، مضيفا "عادة يقال إن رأس المال جبان ويحتاج إلى أمان واستقرار".
من جهته، اعتبر حسين العسكري، المحلل الاقتصادي والإستراتيجي بمعهد شيلر الدولي، أن زيارة الأسد يمكن أن تشكل "ثغرة في جدار العقوبات على سورية" لا سيما الأميركية. ورأى أن وجود كتلة اقتصادية ومالية عالمية تشمل روسيا والصين وباقي دول البريكس ومنظمة شنغهاي التي تضم أيضا إيران ودولا كبيرة أخرى جعل لهذه الدول آلية خاصة للتمويل والتجارة والعلاقات الاقتصادية تستخدم فيها العملات المحلية، ما يجعلها تتصرف بطريقة مختلفة دون أن تخشى العقوبات الأميركية أو الأوروبية.
في المقابل، تحمل بكين أهمية كبيرة لدمشق "نظرا لإمكانياتها الكبيرة في موضوع إعادة الإعمار، خاصة أنها أثبتت نجاحات في دول أخرى"، بحسب العسكري.
وأوضح أنه يمكن لسورية أن تستفيد من الصين على المدى القريب من خلال الحصول على تمويل مالي أو تجهيزات، وأيضا عبر دخول الصينيين في مشاريع إعادة إعمار البنى التحتية والمصانع.
بدوره، اعتبر فيصل العطري، خبير الشؤون الاقتصادية السورية الصينية ورئيس الجالية السورية في الصين، أن لهذه الزيارة أهمية خاصة ليس لسورية فحسب بل لكل دول العالم الثالث لأنها تحمل رسائل قوية بأن العالم قد "ضجر" من السياسات الأميركية.
كما رأى أن "سفر الأسد وعائلته على متن الطائرة الصينية حمل رسائل واضحة بأن سورية قررت كسر الحصار وعلى أعلى مستويات، وأن الصين تراقب ما يجري بعين حمراء".
أما على المستوى الاقتصادي، فأمام دمشق فرصتان بحسب العطري، "الأولى تتجلى بالاستفادة من المزايا والاستثمارات التي تمنحها الصين لدول الحزام والطريق، والثانية أن بكين تتخلى عن بعض صناعاتها التي فقدت تنافسيتها بسبب ارتفاع تكلفة اليد العاملة فيها".
كما أوضح أن "مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين لا يرقى لمستوى العلاقات الدبلوماسية المتطورة جدا، لذا ستقدم هذه الزيارة الكثير، خاصة أنه تسرب أن الاجتماعات كانت أكثر من إيجابية.
كذلك، وصف الخبير السياسي والإستراتيجي السوري علاء الأصفري، الزيارة "بالإستراتيجية من العيار الثقيل"، مشيرا إلى أن الصين أعلنت على لسان رئيسها أن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين "هي رسم لعلاقة إستراتيجية بينهما".
وأضاف أن الزيارة تأتي أيضا إنقاذا للاقتصاد السوري وتمثل شراكة مستدامة "حيث إن الطرفين يتفقان على وجهات النظر الدولية والإقليمية، كما أنها عبارة عن محاربة للنفوذ الأميركي الغربي".-(وكالات)