الاستعدادات والتجهيزات لمواجهة الزلازل.. هل ثمة خطر محتمل قادم؟

جانب من أحد أحياء عمان القديمة-(أرشيفية)
جانب من أحد أحياء عمان القديمة-(أرشيفية)

 على وقع زلازل جنوب تركيا وشمال سورية في شباط (فبراير) الماضي، والمغرب الشهر الحالي، توجهت الأنظار الى المناطقة العربية ذات النشاط الزلزالي، وفقا لسجلاتها وطبيعة جغرافيتها، في إطار الاستعداد الاستباقي لدولها، حذرا من وقوع زلازل، تتسبب بكوارث تخلف ضحايا ودمار كبيرين. اضافة اعلان
وفي هذا النطاق، أبدت الحكومة، اهتماما لافتا بشأن توجيه طاقاتها الى جاهزية الدولة في التعامل مع أي كارثة طبيعية، ومعالجة تبعاتها، وتجلى ذلك في اجتماع رئيس الوزراء بشر الخصاونة، والوزارات والمؤسسات المعنية بمجلس البناء الوطني، مشددا على الحاجة لـ"اعتماد مقاربات مرتبطة بإجراء مسوحات، ورفع مستوى الجاهزية والاستجابة الفاعلة لأي طارئ -لا قدر الله- من أجل سلامة وطننا ومواطنينا".
وفي وقت، بين فيه خبراء ومعنيون لـ"الغد"، أن أبرز المناطق العربية المعرضة للزلازل، هي سورية لأنها ذات نشاط زلزالي ولجوارها من تركيا التي تلي من حيث النشاط الزلزالي الدول الواقعة في الحلقة الملتهبة في المحيط الهادي مثل إندونيسيا واليابان.  
وتساءلوا حول وقوع زلازل في الأردن، وما ستكون عليه، في التفاتة إلى أن الأردن ليس بعيدا عن سورية، وأنه في نطاق صدع البحر الميت التحويلي، وقد تعرض لهزات سابقا، الى جانب أن تاريخ المنطقة الزلازلي، يضعنا في مواجهة حقيقية مع احتمالات بوقوع زلازل.
وتحت وقع التوقعات بـ"وقوع زلازل" أو عدم وقوعها، فإن ذلك كله يبق مرتهنا الى حجم الاستعداد والجاهزية لدى المؤسسات الرسمية المعنية، في مراجعة خططها وإستراتيجيتها وتجهيزاتها لحدوث هذه الاحتمالات.
وقد بدأ فعليا التحرك الرسمي في هذا الجانب، وتوضحت حالة التنبه عبر الإعلان عن الكودات الأردنية المحدثة للمباني الجديدة، ورصد المباني التي يزيد عمرها على نصف قرن، ووضع خريطة زلزالية حديثة، تقسم الأردن إلى 35 منطقة بخطوط "كنتورية" تبين شدة الزلازل في حال وقوعها والصيغة الجيولوجية لكل منطقة.
أستاذ علم الجيولوجيا في الجامعة الأردنية د. حسن الفقهاء، كشف في تصريحات لـ"الغد" عن أن "الأردن مرجح ليشهد زلزالا"، وفقا لطبيعته الجغرافية.
وأوضح الفقهاء، أن الصدع التحويلي الأردني، يشكل الحدود الشمالية الغربية للصفيحة العربية التي تفصله عن الصفيحة الصغيرة المجاورة لها غربا وهي صفيحة سيناء – فلسطين، بحيث يمتد من مدخل خليج العقبة جنوبا حتى مشارف جبال طوروس جنوب شبه جزيرة الأناضول شمالا، فتتحرك أو تنزلق الأردن كجزء من الصفيحة العربية بالنسبة لفلسطين على هذا الصدع إلى الشمال تقريبا بمعدل 5 مم/ عام تقريبا.
ولفت الى الحركات الأرضية "تتحول من حركات تباعد نشط للصفائح، مسرحها البحر الأحمر حاليا، مع تصادم نشط، تتأثر به الحدود الشمالية والشمالية الشرقية للصفيحة العربية في: تركيا وشمال العراق وغرب إيران"، أي تكون الصفيحة العربية باتجاه شمال شرق تباعدية في البحر الأحمر وخليج عدن، وانزلاقية على طول الصدع الأردني، وتصادمية مع تركيا وإيران، والتصادم هو سبب نشأة سلسلتي جبال طوروس وزاغروس، مشيرا الى أن الصفيحة العربية تتحرك فعليا على طول حدودها، والحركة مدعاة لوقوع هزات وزلازل.
وبين الفقهاء، أنه ونتيجة للصدع التحويلي الذي تنشأ عليه الزلازل جراء الحركة الانزلاقية، التي ينجم عنها إجهادات وضغوط تتراكم على الصدع، ستؤدي الى نشوء مظاهر تضاريسية كخليج العقبة والبحر الميت وبحيرتي طبريا والحولة. من هنا، فإن الضغوط والإجهادات الناتجة عن هذه الحركة، سبب مباشر وأول للأخطار الزلزالية في المنطقة.
ولفت إلى أن هذه التحركات، تمخضت عنها عدة زلازل، تسببت بوقوع ضحايا بشرية وخسائر مادية، وبرزت في القرون العشرين الماضية زلازل عديدة، فقد وقع زلزال في العام 748م،  مركزه وادي الأردن، ليخلف آثارا تدميرية في: القدس وطبريا واللد وجرش وأريحا.
أما زلزال وادي عربة الذي وقع في العام 1068م فتسبب بدمار في العقبة والرملة، كما وقع زلزال في منطقة روم جنوب لبنان في العام 1956 م، وصلت قوته الى 6 درجات على مقياس ريختر، وقد سبقته هزات تحذيرية، بينما وصلت قوة زلزال  نويبع – خليج العقبة الذي وقع في العام 1995م الى 7 ريختر، ونجم عنه وقوع 10 ضحايا و56 إصابة، وفق الفقهاء.
ولفت الى أن صدع تركيا الرئيس، أحدث زلزالا في العام 1999م، بينما وقعت زلازل أخرى تعدت قوتها الـ5، مستذكرا زلزال مدينة أريحا في فلسطين في العام 1927م، الذي أودى بحياة المئات، وتسبب بدمار كبير.
وكشف الفقهاء، عن وجود براكين في الأردن في: الطفيلة، العيص، نهر اليرموك، وسد المقارب بينما يمكن لبراكين سورية أن تؤثر على المنطقة، مشيرا الى أن سورية في مقدمة البلدان العربية من حيث النشاط الزلزالي، بخاصة أنها مجاورة لتركيا التي تلي من حيث النشاط الزلزالي الدول الواقعة في الحلقة الملتهبة في المحيط الهادي (مثل إندونيسيا واليابان). 
وبين أن تركيا، تقع قرب خطوط الصدع الرئيسة، وتتأثر بها سورية، كما حدث في زلزال 6 شباط (فبراير) الماضي، كما أن لسورية فوالق، تتأثر على نحو كبير بالنشاط الزلزالي في تركيا بحكم الجوار.
ويعد المغرب من الدول العربية المدرجة على خريطة النشاط الزلزالي، لوقوعها على البحر الأبيض المتوسط، وهناك فواصل بين الصفيحتين الأفريقية والأوروآسيوية، لذلك، فمعظم الزلازل هناك تكون على السواحل، وهناك مناطق مغربية، تتأثر بالفوالق جراء التقاء وضغط الصفيحة الأفريقية على العربية، وهو ضغط تسبب بطي الأرض، وتكوين الجبال في المغرب.
يُشار إلى أن الفوالق، هي تصدعات أو شقوق تحدث في صخور القشرة الأرضية، بفعل حركة انزلاق نسبي للكتل المتاخمة لطبقات الصخور على جانبيها، أكانت الحركة في الاتجاه الرأسي (أعلى/ أسفل) أو الأفقي (جنبا إلى جنب)، وقد تؤدي إلى ضغوط قوية، تؤثر على القشرة الأرضية، بفعل تحركات الصفائح التكتونية، وغيرها من العوامل الجيولوجية.
إلى ذلك، قال نقيب الجيولوجيين خالد الشوابكة، إن "وضع الزلازل في الأردن، يصنف على أنه معتدل وليس نشطا جدا، كما هو في بلدان ودول أخرى كتركيا والمغرب، فالأردن يقع على صدع البحر الميت التحويلي الذي تحدث فيه هزات أرضية من النوع المعتدل جدا باستمرار، وليس بالقوة التدميرية كما حدث في تركيا والمغرب، تبعا لطبيعة الحركة الأرضية.
وأكد أن الصفيحة الأردنية، جزء من الصفيحة العربية في سيناء، وهي جزء من صفيحة أفريقيا، والصفائح تختلف عندما تتصادم وتتباعد، لتنتج عنها هزات قوية جدا.
ولفت الشوابكة، إلى أن النوع الثاني من الصفائح الأردنية، انزلاقي، بحيث تتحرك الأولى باتجاه الشمال والأخرى باتجاه الجنوب، وهذه الحركة حدثت قبل ملايين الأعوام، ما أثبت حركة بمقدار 107 كلم، وهي مستمرة على صدع البحر الميت بنحو نصف سم كل عام، موضحا أن نوع الهزات الأرضية على هذا النوع من الصفائح التكتونية، يختلف ويكون أشد، لكنه ليس بشدة المواقع الأخرى.
نقيب الجيولوجيين خالد الشوابكة، قال إن "الأردن، يقع في المناطق معتدلة النشاط الزلزالي، فهي تشهد هزات خفيفة باستمرار على صدع البحر الميت، بقوة أقل من 4 ريختر، بحيث لا يشعر بها المواطن"، مشيرا إلى أن هذا النوع من الهزات، يفرغ الطاقة الكامنة بين الصخور، كي لا تنفجر دفعة واحدة.
وقال الشوابكة، إن صدع الأناضول الذي تسبب بزلزال تركيا وسورية، بقي خامدا لفترة طويلة من دون حركة أو هزات بسيطة، لذا جاءت قوة تدميره عالية جدا، وهو ما تسبب بوقوع ضحايا باعداد كبيرة جدا، ودمار هائل لبعض المناطق في جنوب تركيا وشمال سورية، وقد ضاعف من أثار كارثة الزلزال التركي، نوعية الأبنية في مناطق وقوعه، وانتفاء تصميمها وفق مواصفات وكودات معينة، تسهم بمقاومة الزلازل، وهذا ما حدث في سورية ايضا.
وأضاف إنه "في العام 2005، اعتمدت الأردن كود بناء خاص بها، مبينا أن البناء الحديث أصبح أكثر مقاومة للزلازل إذا جرت مقارنته بالبناء القديم، مبينا أن "هناك مباني قديمة في عمان قارب عمرها الافتراضي على الانتهاء، أو أنه انتهى، إذ إن عمر بعضها أكثر من 60 عاما، في وقت يعلم فيه الجميع، أن أي بناء له فترة صلاحية محددة".
وشدد نقيب الجيولوجيين، على ضرورة وضع المباني القديمة، تحت المراقبة باستمرار، بإشراف هندسي مستمر، وتنفيذ أعمال صيانة وترميم لها.
ولفت الى أن "عمان لا تقع على حزام زلزالي أو فوالق نشطة"، مضيفا "أن الفوالق النشطة في الأردن، هي صدع البحر الميت، ولم تسجل هزات أرضية عندنا إلا في العام 1985، إذ شهدنا هزة قوية في منطقة السرحان على فالق صدع السرحان بقوة 4.5 ريختر، وهي أول هزة بعيدة عن صدع البحر الميت".
وقال الشوابكة "برغم أن عمان لا تقع على صدوع نشطة، ولكن لو حدثت هزة أرضية في منطقة البحر الميت بقوة 6 درجات، فستؤثر على مساحة دائرة لا يقل نصف قطرها عن 50 كلم، لذا  فإن تأثيراتها ستمس العاصمة، موضحا أن الزلازل تتأثر بنوعية الصخور والتربة وتشبعها بالمياه، ولكن إذا كانت صخرية، قد تكون أكثر تحملا للهزات وآثارها.
وأضاف، إن "أنواعا من التربة، تعظم الهزات الأرضية"، لكن ذلك لا يعني بأن التربة الصخرية تتحمل أكثر، فهناك أجزاء مختلفة من الصخور، كالحجارة الطباشيرية والجيرية أو الطينية، وهذه  الأخيرة مع وجود مياه، تتحول إلى مادة زلقة.
الناطق الإعلامي لأمانة عمان الكبرى ناصر الرحامنة، قال "لدى الأمانة خطة طوارئ في حالات الكوارث الطبيعية، تتضمن تسخير الكوادر البشرية والمعدات، وجاهزية مركز الاتصال الموحد لاستقبال أي اتصالات، وتسخير إمكانيات غرف الطوارئ كافة، لأي حوادث طبيعية".
وأشار الرحامنة، إلى أن الأمانة لديها حصر وصور جوية للمباني ومواقعها، وسجل يرصد أعمارها، وفق سجلات تراخيص بنائها، الى جانب وجود سجل بعقود الإيجار وإحصائها، يبين مواقع المباني التي يقطنها المستأجرون.
ولفت إلى أن هناك ارتباطا مباشرا بين الأمانة والأمن العام والدفاع المدني وغرفة الطوارئ بوزارة الداخلية ومركز إدارة الأزمات عند وقوع أي حدث، مؤكدا أن الأمانة تسخر إمكانياتها كافة لتجاوز الكوارث ومعالجة تبعاتها.
وأضاف أن خطة الكوارث الطبيعية والزلازل، تعمل على حصر المناطق المنكوبة، وتجهيز الكوادر البشرية المدربة من مهندسين وفنيين ومتخصصين وعمال، بالإضافة إلى تأمين آليات ومعدات كوادر، تحت إشراف وتصرف الجهات المعنية.
وكان رئيس الوزراء أكد الأسبوع الحالي في اجتماع له مع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات وجهات رسمية ونقابية أخرى، إجراء مسوحات تتعلق بأوضاع المباني في الأردن، وإطلاق تمرين "درب الأمان" الذي يعمل المركز عبره على رفع جاهزية التعامل مع أي طارئ.
وشدد الخصاونة على "ضرورة أن نكون في أعلى درجات الجاهزية والاستعداد للتعامل مع مثل هذه المخاطر الطبيعية التي قد تصيب أي دولة، سواء من حيث حصر مناطق الاختطار والاستجابة الفاعلة لآثارها".
كما دعا المؤسسات المعنية بالإنشاء والبناء، للتأكد، وعلى نحو صارم من الالتزام بتطبيق كودات البناء الوطني المحدثة على المباني والأبنية في المملكة، وتشديد الرقابة على الالتزام الدقيق بالتنفيذ ووفقا للمخططات الهندسية.
وبين أن تطبيق هذه الكودات المحدثة "يكفل وبشكل كبير، حماية الأبنية وساكنيها من أي مخاطر ناجمة عن أي ظروف طبيعية كالزلازل، أو التصدعات التي قد تحدث، أو وجود تربة متحركة تمنع إقامة أبنية عليها".
أما بشأن الأبنية القديمة، فأكد الخصاونة، ضرورة إجراء مسح عام لأوضاع الأبنية القديمة القائمة في مختلف مناطق المملكة، لتحديد المناطق والأحياء التي يوجد بها درجة مخاطر، وإيجاد خطة للتعامل مع أي حادث لا قدر الله، وتحديد التدخل المطلوب من الجهات المعنية.


تشققات ومنازل آيلة للسقوط في عمان-(تصوير: أمير خليفة)