ويكاد الاردن، يكون من أكثر دول العالم التي تعرضت لموجات لجوء وهجرات تاريخيا، بحسب خبراء ومراقبين، حتى بات اللجوء اليوم، أحد أبرز ما يواجهه من مشكلات وعوائق، مع تراجع موقف المجتمع الدولي تجاه القضيّة السوريّة واللاجئين السوريين.
هذا التراجع، تبلور في الأعوام الأخيرة جراء تبعات فيروس كورونا الاقتصادية والصحيّة، والحرب الروسيّة الأوكرانيّة، بالإضافة للتراجع الاقتصادي وارتفاع الأسعار العالمي، الذي انعكس على شعوب هذه الدول، وبات يشكل ضغطا على حكوماتها.
ودعا الخبراء للاستثمار والبناء على التطورات العربية الأخيرة، المرتبطة بمؤتمر القمة العربية الاخير في مدينة جدّة بالسعودية، ومشاركة سورية فيه بعد انقطاع دام نحو 11 عاما، وذلك لإيجاد حلول لعودة اللاجئين، أو دعم الأردن في تحمل أعباء هذا اللجوء.
كما أكدوا ضرورة التنبه لتبعات اللجوء على المدى البعيد، وأخذ ذلك بالحسبان عند وضع الخطط والاستراتيجيات.
يشار هنا، الى أنّ الأردن يستضيف ثاني أكبر نسبة من اللاجئين في العالم، مقارنةً بعدد مواطنيه، ليحتل هذه المرتبة بعد لبنان، إذ إن واحداً من بين 3 من سكان الأردن هو لاجئ، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويضم نحو 1.4 مليون لاجئ سوري.
وزير تطوير القطاع العام الأسبق د.ماهر المدادحة، قال إن الأردن الوحيد من بين دول العالم الذي تحمّل أعباء اللجوء على نحو متكرر، ابتداء من موجة اللجوء في العام 1948 ثمّ 1967، وبعدها توالي الهجرات واللجوء في كل أزمة كانت تقع في دولة مجاورة، وأخيراً اللجوء السوري، مشيرا الى أنّ استقبال هذه الموجات، كان دائما وسيبقى من منطلق رسالة الأردن القومية العربية تجاه اشقائه العرب.
وأكد أنّ موجات الهجرة واللجوء التي تعرّض لها لأردن، أدت لزيادة سكانية غير طبيعية دائما، ما شكل ضغطا على الموارد الطبيعية والمرافق الاقتصادية، وقدرة القطاع العام على تلبية الاحتياجات بشكل جيد.
وأضاف أنّ الأردن، كان يستطيع إغلاق حدوده كما فعلت دول كثيرة، لكن احترامه للانسانيّة ولأشقائه العرب واحترامه حتى لتعاطف شعبه مع الشعوب العربيّة الأخرى، أدّى به لأن يستقبل اللاجئين دائما.
وذكر المدادحة، أنّ اللجوء السوري كان الأكبر والأكثر تأثيراً على الاردن، خصوصا وأنّ عدد اللاجئين كان كبيرا، وبقاؤهم فيه لم يكن مؤقتاً، بل استمر لنحو 11 عاما، ما شكل ضغطا على الموارد الاقتصادية والخدمات.
ويرى المدادحة، أنّ قضية اللجوء السوري تحديدا لم تعد ذات أولويّة، خصوصا مع الحرب الأوكرانية وتبعات فيروس كورونا، فبات الوضع العسكري والاقتصادي لدول العالم هو أولوياتها، بدلا من اللجوء السوري في الأردن.
ويظهر المدادحة متفائلاً في هذا الملف، خصوصا مع قمة جدّة، وحضور سوريّة في المشهد، مشيرا الى أنّ الملف السوري بات عربيا أكثر منه دوليا، وبالتالي فإنّ الدول العربيّة مطالبة بحله ودعم الدول المستضيفة للاجئين السوريين.
الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أشار الى أنّه ومع بروز أزمات جديدة في العالم، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها كورونا وانعكاساتها، لم يعد "اللجوء السوري" أولويّة في العالم، بل بات المجتمع الدولي متردد في تقديم الدعم للأردن، مشيرا الى أن ذلك التراجع تزامن مع طول فترة اللجوء التي استمرت كل هذه الأعوام.
وأكد زوانة، أنّه بات من الضروري اليوم، أن يدفع الأردن باتجاه استقرار سورية واعادة إعمارها، ما سيتيح المجال لعودة أعداد من اللاجئين، ويفتح فرصا للاستثمار والعمل للسوريين والأردنيين على حد سواء.
وأوضح أن انعكاس الحرب في سورية، لم يكن على الأردن من جانب اللجوء فقط، بل كان أكبر من ذلك، فالتبادل التجاري تراجع من نحو مليار دولار سنويا قبل الحرب الى نحو الـ150 مليون دولار سنويا.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د.قاسم الحموري، أشار الى أنّ الأردن حالة استثنائية في العالم، من حيث استقباله لأعداد كبيرة ومتنوعة من اللاجئين، خصوصا وأن ذلك يتزامن مع شح الموارد الاقتصادية والامكانيات الطبيعيّة.
وأشار الحموري الى أنه على الصعيد الداخلي، كان الأردن كقيادة وحكومة وشعب، مستقبل دائم للاجئين، ويتعامل معهم كضيافة، وليس كلجوء، في وقت كان فيه العالم لايتحمل الدور المطلوب.
ويرى الحموري، ضرورة أن تبذل الدبلوماسيّة الأردنيّة دورا أكبر في هذا المجال عبر سفاراتنا في العالم، بحيث تستمر في عرض مدى ما يشكله اللجوء من عبء على الأردن، مع الاستمرار بعرض الأوضاع المعيشية للاجئين في المخيمات.
المجلس الأعلى للسكان، حذر من تبعات استمرار استضافة اللاجئين لأعوام طويلة، ما لم تتبع سياسات تحول اللجوء ليكون جزءا من "الفرصة السكانية" التي يتوقع ذروتها في عام 2040.
وبحسب وثيقة سياسات صادرة عنه في العام 2017، فستتضاعف أعداد اللاجئين السوريين في المملكة من 1.2 مليون إلى 2.757 مليون نسمة في العام 2040 وبزيادة نسبتها 130 %، وذلك في حال عدم عودة اللاجئين لبلادهم، وثبات نسب النمو السكاني. وبحسب الوثيقة، فإن هذه الفرضية تأتي ضمن 6 فرضيات، تتعلق باللاجئين السوريين، وتصفها الوثيقة بـ"التنبيهية"، وهي أن عدد اللاجئين سيصل إلى هذا المستوى في حال استقر معدل النمو السكاني للسوريين عند الـ2.9 % في الاعوام الـ22 المقبلة و"استمرار الأوضاع الحالية".
كما توقعت الوثيقة، أن يبلغ عدد السوريين في الأردن 2.6 مليون نسمة، بعد 20 عاما، وهي الفرضية نفسها التي يطرحها "الأعلى للسكان" ضمن سيناريوهات، تحول النمو السكاني في المملكة لـ"فرصة سكانية" في العام 2040.
وفي سياق الفرضية ذاتها (عدم العودة)، سيكون عدد اللاجئين وفق وثيقة الفرصة السكانية في العام 2050 نحو 3.4 مليون لاجئ.
وفي حال كان هناك عودة طوعية للسوريين بأعداد منتظمة، ليصل العدد الى ما كانوا عليه قبل اللجوء، فإن أعداد اللاجئين في 2040 ستصل الى نحو 740 ألف لاجئ، أما الفرضية الأخرى فتتوقع أن يكون العدد نحو 767 ألفا.
وهناك فرضية تقترح انخفاض أعداد السوريين حتى العام 2030 بنسبة 40 %، وعودة الثلث بين 2030 و2050، وتتوقع وصول عدد السوريين في 2040 إلى نحو 615 ألفا، أما الفرضية التي تفترض عودة نصفهم قبل 2030 وعودة الثلث في العامين 2030 و2050 فتفترض بأن يصل عددهم الى 519 ألف لاجئ، وأخيرا الفرضية التي تقول بثبات معدل النمو والبالغ 1.9 % بين 2015 و2025 وانخفاضه بين 2025 و2030 وبدء عودتهم بعد 2030 بأعداد منتظمة، اذ تتوقع بأن يصل عددهم إلى 1.1 مليون لاجئ.
وتعرف الفرصة السكانية، بأنها "فرصة الاستفادة من التغير في التركيبة العمرية للسكان، بحيث يكون أعمار من هم في سن الإنتاج أكبر من أعمار المعالين من كبار السن والأطفال"، وقد حدد المجلس ذروة الفرصة السكانية بالعام 2040، بحيث تكون فيه نسبة السكان في أعمار القوى البشرية (15-64) أعلى قيمة لها، فيما تكون نسبة الإعالة العمرية أدنى قيمة لها، وهذا يتحقق بشكل أساسي مع تخفيض معدلات الإنجاب الكلي.