ما يزال الأردن يفتقد وجود مركز موحد للبيانات المتعلقة بقطاعات البيئة والزراعة والمياه والطاقة، والتي من خلالها يُمكن الكشف المبكر عن الأزمات التي قد تهدد الأمن البيئي والغذائي والمائي للأفراد في مختلف محافظات المملكة.
وعلى الرغم من وجود الكثير من المنصات البيانية المتعلقة بتلك القطاعات، إلا أن "تعدد المرجعيات القائمة عليها، وتضارب المعلومات فيما بينها بشأن ملفات البيئة والمياه والغذاء والطاقة، يُضعف قدرة صناع القرار على وضع السياسات الدقيقة، والإجراءات الصحيحة الكفيلة بمعالجة أي تحديات حالية أو مستقبلية"، وفق خبراء.
يأتي ذلك في وقت كانت تدرس فيه الحكومة إنشاء مركز وطني للبيانات، بهدف توحيد المعلومات بشأن ملفات المُناخ، والبيئة، والمياه والزراعة، إلا أن التكلفة المالية لإقامته والبالغة نحو أربعة ملايين دينار كانت سبباً في التراجع عن هذه الفكرة.
ولكن هنالك حاجة ملحة إلى وجود منهجية مبتكرة تستند إلى البيانات، وتهدف إلى الكشف المبكر عن حالات الطوارئ المتعلقة بالأمن المناخي، والمائي، والغذائي في الأردن، ما يوفر فترة زمنية مهمة للغاية لاتخاذ إجراءات استباقية ومبكرة للتعامل مع تلك الأزمات، وفق رأي الخبراء.
وبشأن ملف التغير المُناخي في الأردن، وخلال إعداد تقرير البلاغات الوطني الرابع، نشأت مشكلة تتعلق بالبيانات والإحصائيات، إذ إن بعضها كان يستند إلى ما يسمى بـ"الافتراض" أو "الانحدار الخطي" في النمو والنقصان، في حين كان الآخر غير منطقي، وفق البروفسور جواد البكري.
ولفت البكري إلى أن "هنالك تباينا هائلا في البيانات المناخية على مستوى محافظات المملكة الـ12، ما يستدعي ضرورة وجود مركز وطني يحتوي كافة هذه المعلومات".
وأكد أن "البيانات المتعلقة بقطاعات المياه، والزراعة، والبنية التحتية، والخدمات الصحية، والتعليمية، على مستوى التجمعات السكانية، بحاجة إلى جهود لوضع أرقام موحدة وواضحة بشأنها".
ولفت إلى أن "هنالك توجها لتخصيص جزء من الدعم البحثي لإيجاد طريقة لتفصيل البيانات، وعلى مستوى التجمع السكني التي يفوق تعدادها 150 في الأردن".
هذا الدعم، وفق قوله، سيكون ضمن المحور الخاص بالتغير المُناخي في المنصة البحثية التي يستعد لإطلاقها صندوق البحث العلمي والابتكار، ووزارة التعليم العلمي خلال الفترة المقبلة.
وشدد على أن "ثمة العديد من الدول المجاورة وضعت موازنات مالية مرتفعة لإجراء مسوحات، وعبر استقطاب شركات أجنبية ومحلية للقيام بهذه الخطوة، وصولا إلى إعداد أرقام تفصيلية محددة عن كل قطاع، وعلى المستويات كافة".
ورغم أن هنالك نظاما لمعلومات الأمن الغذائي الذي تعمل عليه حالياً وزارة الزراعة، ودائرة الإحصاءات العامة، ومجلس الأمن الغذائي، بالإضافة الى أن وزارة الصناعة والتجارة تسعى لإنشاء منصة في هذا الملف، لكنه يعد "جهداً مبعثرا" حتى الآن، وفق الخبير في الأمن الغذائي د. فاضل الزعبي.
واستند الزعبي في رأيه إلى أن "تكرار المسوحات الذي سينشأ عن كل هذه الجهات في ملف الأمن الغذائي في المملكة، سيؤدي إلى حدوث تضارب في البيانات".
ولأن هنالك تضارباً في المعلومات بشأن التغذية والأمن الغذائي في الأردن فإن "تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم (صوفي)، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) للعام الماضي، والحالي، خلا من أي مؤشرات تتعلق بالأردن في هذا المجال"، بحسبه.
كما أن "المعلومات المتوفرة، بعضها قديم ولم يتم إصدار بيانات حديثة منذ عدة أعوام، لذلك فإن هنالك حاجة لإنشاء مركز وطني للبيانات، والذي يعد من الأولويات الهامة في المملكة".
وشدد على أن "البيانات الموحدة والحديثة تمنح صاحب القرار القدرة على اتخاذ إجراءات استباقية للتعامل مع أي أزمات غذائية، بيئية وغيرها قد تطرأ مستقبلاً".
وستتيح البيانات كذلك "لصناع القرار إمكانية تصميم السياسات وفقاً للاحتياجات والمتطلبات والأولويات في الأردن"، بحسب الزعبي.
وبين أن "الفريق المعني بإعداد الجزء المتعلق بالأمن الغذائي والزراعة في رؤية التحديث الاقتصادي واجه مشكلة في تضارب الأرقام والإحصائيات، وعدم توفر بعضها في هذا الملف".
وأوضح أن "نسبة مساهمة الزراعة في الدخل القومي على سبيل المثال متضاربة بين كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية".
ولا تقف مشكلة نقص البيانات وتضاربها عند تلك القطاعات، بل إن قطاعي المياه والطاقة كذلك يعانيان من هذه المشكلة، وفق رئيس مجلس جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة د. دريد محاسنة.
ولفت محاسنة إلى أن "توفر البيانات ليس مهما فقط من جانب رسم السياسات، وإنما في تحسين القدرة على المساءلة، ومتابعة سائر الإجراءات والقضايا ذات العلاقة".
وأكد ضرورة "الشفافية بالإعلان عن المعلومات والبيانات في قطاعات المياه والطاقة والنقل لكونها قضية أمنية".
ولفت إلى أن "هنالك ضعفا في توفر البيانات الصحيحة والواضحة، والموحدة، من قبل الجهات كافة، نتيجة الخوف من البحث عن الأرقام من المؤسسات المستقلة".
وهذا الأمر "يؤثر سلباً على قدرة البلاد في الاستجابة للأزمات، مثل تلك المتعلقة بموضوع تلوث المياه وغيرها".
اقرأ المزيد :
الهدف السادس من التنمية المستدامة.. تقدم ملموس في تحقيق المؤشرات بالأردن