الإسلاميّون قادمون. وقدومهم أحدث هلعاً لدى الإثنيّات الدّينيّة والأصحّ الأقليّات الدّينيّة عدداً (لأنّها جميعاً في هذه البلاد أسبق من المسلمين، وليست وافدةً إليها). كما أحدث قدومهم هلعاً في الأوساط الليبراليّة واليساريّة أيضاً. وهو هلعٌ مشروع، لأن المقدّمات التي قدّمتها الحركات الإسلاميّة وتلك التي وصلت باسم الإسلام إلى السّلطة، تنبئ بنتائجها. وهي نتائج تقول إنّ هذه الحركات التي جاءت وتلك التي ستجيء إلى السّلطة على ظهر الديمقراطيّة، ستنحرها (أي الديمقراطيّة) نحراً، وستحكم بقوانين وتشريعات ستسميها "إلهيّة"، حتى تُلقمَ كلّ معترضةٍ ومعترضٍ بئراً من الحجارة!! وإلى ذلك أيضاً ستتقصّد المرأةَ في حياتها خارج البيت ودورها في البناء والتّنمية ونهضة البلاد، فالنموذج السّلفي المصريّ في الانتخابات الأخيرة تحرّج من وضع صورة المرشّحة الوحيدة في ملصقات الحملة الانتخابيّة، ووضع بدلاً منها صورة زوجها. وهي دلالةٌ عظيمةٌ على قراءة المرأة على أنّها "عورةٌ" وظلّ للرجلِ أولاً وأخيراً.
كما ستتكشّفُ النّتائج المتوقّعة لوصول الإسلاميّين إلى الحكم عن تراجعٍ كاملٍ أو جُزئيٍّ عن حقوق الإنسان ورفض التّعامل مع صيغته العالميّة والدّوليّة لأنّها من صنيعة "الغرب الكافر"!! وستختنق الحريّات العامّة تلك التي كم استخدمتْها تلك الحركات جيّداً لمناوأة الدكتاتور. وسينتعشُ الإفتاء في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ من الشّأن العام وأحوال السّياسة، كبديلٍ للعقل الخلاق الحرّ الذي يُناط به حلّ المشكلات ومواجهة الأزمات!
إذن فمخاوف الناس من وصول الحركات الإسلاميّة إلى الحكم مشروعة.. ما لم..!!
و"ما لَمْ.." هذه مهمةٌ أهميّةَ الرّبيع العربيّ الآن في الثّورة على الطّغيان، لأنّ فيها –حسب تصوّري وغيري من أهل النّظر- ما يُبعد عن البلاد شبح الحروب الأهليّة أو على أقلّ تقديرٍ القلاقل والفوضى وانعدام الاستقرار. فالشّعوب العربيّة تريد أن ترتاح من نضالها الطّويل من أجل حريّتها وكرامتها، وتريد أن تأكل خبزاً تصنعه، وتقول كلمةً من بَناتِ أفكارها، وتخترعَ وتقدّم إلى البشريّة ما يؤكّد وجودها الحيّ. ولكي يتمّ ذلك يجب أن لا يُخفق (الإسلاميّون) في الحكم. أي يجب أن لا تُغويهم شعاراتهم للغوص في حلولٍ شكليّةٍ للأزمات؛ فحجاب المرأة قَسْراً (وتوابعه من مثل رفع ولايتها عن نفسها، والحجر عليها في المنزل أو داخل خيمةٍ متحرّكة) حلّ وهميّ لـ"نقاء أخلاق المجتمع"؛ فالمجتمع الإسلاميّ –كما فهمناه- مجتمعُ تكافلٍ وتعاضدٍ لا مجتمعَ إكراهٍ وغلظةٍ وتجبّر واعتدادٍ جامحٍ بالسّلطة!!
إذن، فمخاوف الناس مشروعة ما لم يُعلن (الإسلاميّون) بصريح العبارة وفي وثيقة شرفٍ التزامهم بدولةٍ مدنيّةٍ لا مكان فيها لاضطهادٍ على خلفيّةِ اختلافٍ في الرّأي أو العقيدة أو المذهب أو اللّون أو الدّين أو الجنس أو اللّغة أو الإقليم أو السنّ أو الصحّة والمرض.. دولةٍ مدنيّةٍ تحترم الديمقراطيّة وتربي عليها الأجيال، وتحترم الحريّات العامّة وتصونها وتضمنها، وتحترم حقوق الإنسان وحقوق المرأة في صورتها العالميّة.. وأهمّ شيء: الإعلان أنّهم لا يمثّلون الإسلام فيما يقولون ويفعلون، بل يقدمون فهمهم الخاص الذي قد لا يتطابق بالضّرورة مع المقاصد الإلهيّة (فالأدب مع الله واجبهم الأوَل!).. ما لم يُصدر (الإسلاميّون) وثيقةَ الشّرف هذه الآن وقبل أي انتخاباتٍ وبعدها، سيظل شبحٌ مخيفٌ يُطلّ على مستقبل البلاد أهونُه إخفاقُهم في الحكم.
إنْ فعل (الإسلاميّون) ذلك الآن، فما يمنعني وكلّ ذي مخاوف من التّصويت لهم، وانتظار إعجازهم في الحكم، مادامت مصلحة الأوطان والإنسان لدينا هي العليا؟
دعونا لا نفقد الأمل...
