كيف للبرنامج النووي أن يمرَّ هكذا تسلُّلاً تحت جُنحِ الظلام؟ وكيف للأردن أن يخطوَ هذه الخطوة الجبَّارة والخطيرة والكبيرة، دون أن يتبصَّر الشَّعبُ بالوسائل المختلفة ومنابرها التي تُحسِنُ الحكومات العربيَّة استخدامَها، بمزايا البرنامج ومخاطره أيضاً؟ فحقُّ الشعب على حكومته، إن كانت فعلاً حكومةً له لا عليه، أن تستأذنه في المشروعات المصيريَّة، وتثقِّفه، قبل ذلك، بموضوعها وفحواها، وبما يُتَوَقَّع أن يجنيه الشَّعبُ من خيراتها، أو ما قد يُعانيه من سوْءاتِها. ويُترَكُ الأمر بعد ذلك ليتفاعل بين أهلِ الاختصاص وأهلِ الرَّأي ومؤسَّساتِ المجتمع المدنيّ وأهلِ الإعلام وسائر المنابر والاهتمامات، وتعمدَ إلى استفتاءٍ عام، ودراساتٍ ميدانية لفئاتٍ عشوائية، وهكذا... بحسب الأهمية، لتستخلصَ الحكومة بعد كلِّ ذلك رأياً حصيفاً قبل تحويل المسألة إلى المجلس النيابيِّ.
وبالنسبة لموضوع النَّوَوي، فإنَّه أكبر وأخطر من أن يمرَّ بلا كلامٍ إلا كلامِ النُّتَفِ المتناثرة، والخبر المقتَضب!! إنه موضوعٌ سيُغيِّرُ وجه الحياةِ في الأردن سلباً وإيجاباً. ولربَّما أنّ السّالب فيه سيستأثر بمعظم النّقاط، لأنه بعد أن يوفّر لنا الطاقة الرَّخيصة، سيحصد الأرواح بلا جدال. وليس خافياً ولا سرّاً أن ثمّة اتجاهاً عالمياً للتخلّص من المفاعلات النوويّة التي غدت عالةً على الطبيعة وشروط البيئة الصحيّة، أو على الأقل الاكتفاء بما لدى الدّول منها، والاهتمام بصيانتها. فمفاعلا تشيرنوبل وفوكوشيما ليسا سوى تحذيرين عمليّين من بين تحذيراتٍ أخرى كثيرة، ينبغي أن تأخذها الدّول الأخرى، تلك التي لديها مفاعلات وتلك التي تتطلّع إلى إنشائها، مأخذ الجدّ في مستواه الأعلى.
إنّ الانضمام إلى المجتمع النّوويّ يتطلّب أن نكون تكنولوجياً من أهل التكنولوجيا المتقدّمة (وهل نحن كذلك؟)، بينما أنّ الأردن بما يعانيه من بيروقراطيّة وتخلّفٍ في نُظُم الإدارة، وعشائريّةٍ في التّوظيف، وضعفٍ صريحٍ في الصِّيانِة؛ صيانة الأجهزة والمعدَّات والموادِّ والأبنية، وصون الخدمات عن أن تهبط عن مستواها الذي بدأت به، لن يكون استثناءً في مشروع النّوويّ (هل يمكنُ أن يكون؟). كما أنّ النّفايات النّوويّة مصدرُ قلقٍ كبير للمجتمع النّوويّ وغير النّوويّ (الذي تُدفن في أراضيه بسبب ما فيه من فسادٍ)، وعلى الدكتور طوقان أن يخبرنا أين ستُدفَن هذه المصائب! كما سأوجِّه إليه سؤالاً، بوصفه عالماً: أيُّهما أرخص وآمن؛ برنامجٌ بهذه المخاوف والأخطار والتّكلفة، أم برنامج الطّاقة الشّمسيّة التي نتمتّع بنورها على مدار العام إلا قليلاً؟
دعونا لا نفقد الأمل...
