يعتبر الوطن العربي إقليم الأوائل. فهو دائما الأول في إنشاء العديد من المؤسسات والهيئات والجمعيات، وقد أشارت تقارير صحافية مؤخرا أن مجلس وزراء السياحة العرب، الذي اجتمع في القاهرة، رحب بإنشاء بنك سياحي عربي. وأعطى هؤلاء الوزراء الضوء الأخضر للجهات المختصة لإجراء دراسة جدوى لهذه المؤسسة المالية الجديدة.
إن إنشاء مثل هذه المؤسسة المالية فكرة جديدة بالفعل، جديرة بالتعليق والتمحيص، خصوصا في ضوء القدرات السياحية الكامنة للدول العربية. فنحن نعلم تمام العلم أن على الدول العربية الاهتمام بالخدمات السياحية التي تقدمها لضيوفها، وأعني بذلك جعلها أكثر مهنية مما هي عليه الآن. وسوف يعمل البنك السياحي الخاص على تحقيق هذه الغاية، وربما يعمل على جذب المزيد من السياح القادمين من جميع أنحاء العالم إلى الوطن العربي، للاستمتاع بالخدمات والمنتجات السياحية المتوفرة لدينا.
مما لا شك فيه أن هذا البنك سوف يعمل على أسس تجارية، بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن عملياته، سواء كان يعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية أو أي هيئة عربية أخرى. وعلى القائمين على هذا البنك وضع شروط صارمة بشأن إقراض المشاريع السياحية، أو المساهمة والاستثمار في مثل هذه المشاريع. وكما هو معلوم، فإن هذا البنك لن يستثمر عشوائيا في المشاريع السياحية، لكنه سيدرس هذه المشاريع ويضع الخطط قبل الالتزام بتمويليها أو المشاركة في استثمارها. وبالطبع، فإن التخطيط والبحث يزيد من نسبة نجاحها ويقلل من فشلها.
تعاني السياحة في الوقت الحاضر من الطابع الرسمي لها؛ إذ تعمل الدول العربية على تخصيص مبالغ معينة لها من الموازنات العامة. وهذه المخصصات غالبا ما تكون قليلة وغير كافية لإنشاء بنية سياحية تحتية منقحة ومحسنة، لكن وبفضل إنشاء البنك السياحي العربي، لن تعاني السياحة العربية من نقص السيولة النقدية، لأنه سيكون مهتما بالدرجة الأولى بتحسين حالة السياحة في المنطقة، التي لن تتقيد السياحة بسبب بنقص السيولة النقدية.
ومع أن هناك تغييرات ملموسة، خصوصا في دولة مثل الأردن، التي تقوم بجهود جبارة، وتبدي اهتماما كبيرا بتحسين القطاع السياحي فيها، إلا أن إنشاء مؤسسة مالية خاصة بقطاع السياحة سوف يكون له تأثير كبير في تأسيس سياحة عربية شاملة وموحدة على المستوى العالمي. فمثل هذا البنك سيعمل على تمويل السياحة العربية من منظور إقليمي، وهكذا سيكون في وضع فعال وقوي لتمويل المشاريع السياحية الكبرى في جميع دول الوطن العربي، ولن تقيد الحدود الضيقة هذه المشاريع وتحصرها في دولة دون أخرى.
ومن خلال خبرائه الماليين، الذين يملكون خلفيات عالمية في تسويق السياحة المالية، سيكون هذا البنك قادرا على التعامل مع المشاريع السياحية الصغيرة التي يتم تنفيذها على مستوى الدولة الواحدة، كما سيكون بمقدوره تمويل المشاريع الكبرى التي يتم تنفيذها على مستوى الدول العربية. وكذلك، وبسبب الخبرة التي يتمتع بها القائمون على هذا البنك، فسوف تكون له القدرة على إعطاء النصح والإرشاد حول المشاريع التي قد تنجح، وتلك التي قد تفشل في السياحة الإقليمية. وهذه المؤسسة المالية سوف تساعد، وبلا شك، على إنشاء سياحة مستدامة في الوطن العربي.