الحوار مع حماس وراهنية التغيير

تثير  فكرة الحوار بين حماس والدولة الاردنية جدلا كبيرا بين فريقين، فريق متخوف يرى ان مثل هذه البدائل السياسية تدحره عن واجهة المشهد وربما تضعفه، وفريق يرى الفكرة لائقة، وهامة، وتكشف عن وعي سياسي اردني لمخاطر المستقبل والانهيار المتوقع في السلطة، إذا ما استمرت الارض تزداد رخاوة تحت اقدام كوادر سلطة وحكومة الرئيس عباس المنتهية ولايته.

اضافة اعلان

في السياسة لا ثوابت، بل الثابت الوحيد هو التغيير، الذي يستجيب للمستجدات عادة، وهذا ما ادركه العقل السياسي الذي يدير او يوجه فكرة الحوار السياسي مع حماس، ومن ناحية اخرى الحوار مع حماس ليس حوارا مع الشيطان بقدر ما هو ادراك وطني لاهمية اعطاء فرصة جديدة للحوار مع حماس دون ان يكون هناك تنازل اردني عن أي مستوى من مستويات المصالح الوطنية العليا.

ما يعزز قيمة فرصة الحوار مع حماس اليوم، هو ما يحدث في العالم من مراجعات سياسية موقعية في العلاقة بين الاقطاب السياسية الفاعلة في المنطقة، مثلا العلاقات الايرانية الاميركية مرشحة للتغيير، والدعوة للحوار مع طالبان في افغانسان هي في هذا الاتجاه بعد سبع سنوات من انهاء حكمها.

لذا فإن ما يجري اردنيا سواء في الحوار خارجيا مع حماس او داخليا مع حركة الاخوان المسلمين، يكتسب شرعيته في كونه جزء من سياق، سياق تقوده اليوم نظرية المدرسة الواقعية السياسية، التي ترى ان تراجع الدور الاميركي في المنطقة سيكون له نتائج كبيرة على المستوى التخطيطي الاستراتيجي، وإذا ما حصلت انعطافات بنيوية فإن نظرية الفجوة او الثغرة السياسية، ستملأها قوى متطرفة او متشددة اكثر من حماس او حتى من ايران او حزب الله، لذا فإن الحديث عن تناوب بين دورين دور اردني في الحوار مع حماس ودور سعودي في اعادة فتح الباب من جديد مع ايران او حتى بين طالبان وحكومة قرضاي -وهذا مع حصل حين طلب من السعودية رعاية حوار السطلة وطالبان في افغانستان، وإن مضت السعودية وكذلك الحال مع الادرن وحماس- فإن هذا التحرك لا يعني انسحابا من موقع الاعتدال إلى موقع التشدد كما يريد البعض تصوير الأمـر او وصفه بانه تقويض لسلطة الرئيس ابو مازن، بل أن التحرك الذي يجري ينمُ عن وعي شديد لضرورة إعادة رسم وتحديد خياراتنا السياسية الجديدة التي تتفق مع مصالح الدولة الاردنية في المدى المستقبلي المنظور، وفي مدى احتساب مخاطر الانهيار المؤجل، وقد لا يكون ذلك او ذلك بقدر ما يعني تحالف جديد مع قوى سياسية اثبتت ان لها وزنا تفاوضيا في الشارع اكثر من غيرها.

في مجمل الامر، نحن أمام حراك سياسي وطني تجاه طرف سياسي مقاوم اسلامي وعروبي، وهذا لا يعني إلا المزيد من الثقة بهذا الطرف الذي لا يمكن ان يُقدم على أي خيار من شانه المس بامن الاردن، او حل القضية الفلسطينة على حسابنا، وهذا ما يريده الاردن شعباً وحكومة.

في المقابل، سيؤلب الرافضون لمبدأ الحوار المواقف ضد الخطوة الأردنية، ربما تفسر انتصارا لحماس او للإخوان، وقد تفسر اكثر من ذلك، لكن هذا في عالم السياسية لا يؤثر على مبادرة مقدرة ومدروسة ومحسوبة جيداً، ولدينا معلومات تقول ان هناك حوار ربما يتجاوز حماس، إلى جهة اخرى ممانعة، وهذا ليس عيباً بقدر ما يعتبر من ضرورات التكيف مع المستجدات التي يحملها عالم المصالح، وتحملها الرؤية القائلة بان أي تغيير استراتيجي محكوم بالضرورة بقوة هذا الطرف او ذاك على الساحة الفلسطينية.

الاردن ليس وحيداً في الدفع بضرورة الحوار مع حماس، حتى الرئيس عباس ابدى استعداد حكومته - حكومة سلام فياض- للاستقالة في حال كانت هناك نية جادة للبدء بحوار مضمون، ينتهي بتشكيل حكومة توافق، بمعنى أن الرئيس عباس جرب معسكرة، ويعرف مدى الخلل الذي يصيب بنيته السياسية التنظيمية، وفي هذه الحالة ربما ستكون حماس اكثر رحمة به وبقضية الشعب الفلسطيني من غيرها.

 ربما يبالغ خصوم حماس في اعطاء صورة سلبية عنها، وفي مدى التزامتها السياسية، وهذا نعده شأناً فلسطينيا، لكن ما ندركه ايضا ان تاريخ العلاقة بين حماس والاردن، وإن ارتقى مستويات حرجة، إلا أن الطرفين لم يشاءا دوماً ان يصلا إلى ميناء جاف تحكمة روح الخصومة والقطيعة أو الودّ المفقود برغم كل التبرعات السخية بتعميق الخلاف، إنها سياسة ومصالح عليا للبلد تحكمها راهنية التغيير، ومن يقول بخلاف ذلك فإنه يلغُ من إناء الكراهية، ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه.

[email protected]