الدينار والأسعار وتهديدات محتملة

ثمة من اعتبره كلاما متسرعا، وآخرون قالوا عنه "صراحة" تستحقها اللحظة الراهنة. وفي تقديري أن ما قاله رئيس الوزراء، عبدالله النسور، بشأن سعر صرف الدينار والتأثيرات اللاحقة إذا لم يتم رفع الدعم عن الأسعار، يقع في سياق إشاعة المخاوف.اضافة اعلان
إذ ما يزال الدينار وعاء جاذبا للادخار، كما تؤكد ذلك بيانات البنك المركزي والودائع بالدينار مقارنة بالعملات الأجنبية. والخبر السار أن "الدينرة" بقيت مستمرة في مقابل ثبات منحنى "الدولرة" (تحويل الودائع من دينار إلى دولار) عند مستوياته غير المقلقة. لكن تصريحات كتلك التي أطلقها الرئيس كادت تتسبب بخسارات اقتصادية تضاف إلى إشكاليات المديونية والتضخم وعجز الموازنة وتراجع الاحتياطي الأجنبي وغيرها.
غير أن ما سبق لا يلغي وجود مخاوف لدى فئات بعينها. والمطلوب من محافظ البنك المركزي إطلاع الرأي العام على تفاصيل (وهواجس) ما ذهب إليه رئيس الوزراء بشكل علمي، إضافة إلى تطمين المودعين والمستثمرين وجمهور المستهلكين إلى أن بيانات الاحتياطي الأجنبي مطمئنة نسبيا بفعل عوامل كثيرة، ليس أقلها زيادة الدخل السياحي في الشهرين الأخيرين، وتحسن مستوى حوالات المغتربين؛ وفي الانتظار حصيلة القرض الدولي التي ستعزز، حال وصولها، قوة الدينار والاقتصاد.
ثمة مقارنة بين تصريحات متضاربة لرئيسي وزراء خلال بضعة أسابيع؛ إذ أعاد رئيس الوزراء السابق فايز الطراونة التأكيد على قوة الدينار وجاذبيته، ولم تصمد تلك التطمينات طويلا عندما وضع رئيس الوزراء عبدالله النسور رفع الأسعار في مواجهة تخفيض سعر صرف الدينار، وكأنهما دواء يجب أن يتجرع الأردنيون أحدهما، وكلاهما مر.
نظريا، يسعى رئيس الوزراء -كما صرح بذلك- إلى الحفاظ على سعر صرف الدينار، وعدم إضعاف القدرة الشرائية للأردنيين. لكن البيئة المحيطة تشهد ضغوطات التضخم وانفلات الأسعار وزيادة أعباء المعيشة، وسعر الصرف هو آخر حلقات الأداء الاقتصادي، بحيث يدعم قوة العملة أو يضعفها. والمسألة أشبه ما تكون بالسبب والنتيجة، والمدخلات والمخرجات والعكس صحيح. بعيدا عن التصريحات المحلية لسعر الصرف، فإن الجهات الدولية المانحة لا يمكن أن تسمح بتخفيض سعر صرف الدينار، لأن التخفيض في العادة يخدم الصادرات، وفي ظل غياب المواد الخام أو الأولية لدى الأردن، فإن تخفيض سعر الصرف لن يؤتي أكله. وعلى رأس التهديدات التي تحيط بالاقتصاد المديونية التي بلغت مؤخرا نحو 70 % من الناتج المحلي الإجمالي، وسيكون الغلاء الناجم عن أسباب داخلية وأخرى خارجية، قبل نهاية العام، سببا في التوقف عند عنق الزجاجة وسط غياب الاستراتيجيات لإحداث الفرق في مسار الاقتصاد المتعثر.
وجملة القول أن الخيارات ضيقة أمام الاقتصاد الذي قيده المسؤولون وأصحاب الطرائق الفاشلة في إدارة الدولة، وأن المواطن أو المستهلك وحده سيدفع ثمن أي قرارات ذات صلة برفع الدعم عن الأسعار والمحروقات، طبقا لما حدث في تجارب سابقة وذاق الأردنيون مرارتها.
أما الحتمية التي يتحدث عنها وزراء ومسؤولون بخصوص رفع الأسعار، وأن لا مناص من التهرب من هكذا استحقاق، فإن الأدوات التي تقابلها وتسعى الحكومة إلى اتخاذها لإيصال الدعم لمستحقيه، لا ترقى إلى حجم التهديد الذي سيضاف إلى شقاء الناس وبؤسهم في مجال تدبير كفاف يومهم؛ فقاعدة البيانات غير متوفرة حتى يصل الدعم النقدي بشكله الصحيح سنويا، كما أن البدائل المطروحة لا تسمن ولا تغني من جوع، والأكثر خطورة أن التهديدات التي يحملها قرار رفع الدعم عن الأسعار متشعبة، وتمس شرائح تحاول إيجاد حلول لمشاكلها المزمنة ولا تنتظر من يزيد تعثرها تعثرا.