عندما تُعرف الحياة العامة الأردنية بالتوازن والاعتدال والتسامح، فذلك لأنّ كل أطرافها تمارس احتراما للمعادلات السياسية والثقافية والاجتماعية.
سأعود للكتابة حول قضية الشاعر الأردني إسلام سمحان بعد صدور الحكم عليه بالسجن والغرامة، ليس لأنها حدث فريد، بل لأننا نريد ان نجعلها "آخر الاحزان" في هذا المجال.
لا نريد لساحتنا الثقافية والعامة أن تكون مثل ساحات أخرى منهكة بالسجال والتكفير والتطاول، فأنا على ثقة أن لدينا جميعا القدرة على ان نغلق هذا الملف الى غير رجعة.
ولعل مما يجب أن نتفق عليه أن الإبداع إنجاز لأي شعب وهو مطلب، وأن الثقافة والأدب مرآة المجتمع، وأنّ الدين لم يحارب الإبداع، لكن الخطورة أن نصنع حاجزا وهميا بين الدين والإبداع!
الدين يتفهم ضرورات الأدب والإبداع، لكن علينا أن ننتبه إلى علاقة مشوهة صنعها بعض الهواة في مجال الادب والفنون عندما عجزوا عن ان يمتلكوا ابداعا بالمضمون، فكان طريق الشهرة في نصوص تحتمل كل الخيارات بما فيها الإساءة والتطاول!
الإبداع في كل المجالات لمن يريده ويقدر عليه ممكن، عبر مضمون حقيقي وقدرات لغوية وأدبية، وليس عبر اجتراح نصوص عادية، ليس فيها ابداع، بل اداء عادي، لكنها تحتمل ان تكون اساءة للدين والقيم وثقافة المجتمع.
الطريق إلى الشهرة في اكثر من ساحة عربية كان عبر التطاول، لكن في تلك الساحات كانت القامات الحقيقية للإبداع من دون ان تصطدم مع الدين والقيم. احمد شوقي وطه حسين والعقاد والمنفلوطي وغيرهم الكثير من العظماء لم يدخلوا علم الشهرة عبر التناقض مع المجتمع، بل عبر بوابة ابداع حقيقي.
أردنياً، لدينا شعراء وأدباء كبار عرفهم الاردنيون، عبر اقلامهم وأفكارهم وابداعاتهم، وليس عبر اي حالة تناقض مع اي قيمة او دين، بل كانوا اعلاما يفتخر بهم الجميع من كل الالوان.
لا أريد أن نبقى اسرى لحادثة صدر فيها حكم قضائي، لأننا نريد أن نصل الى توافق تقوده الهيئات الثقافية وكبار اهل الادب والثقافة والفكر يجنبنا تكرار حالات رديئة عاشتها ساحات عربية عديدة. ولا نريد أن نصنع عداءً بين الدين والإبداع نتيجة قصر تجربة أو ضعف نضج هنا أو هناك.
ونريد لكل طاقتنا الوطنية أن تقدم كل ابداعاتها، لكن عليها ان تتجنب ما يمكن ان يساء فهمه او ان يكون تفسيرا محتملا لإساءة او تطاول. هذا يعني، ايضا، أن نوسع آفاقنا عند التعامل مع النصوص الادبية والعمل الثقافي.
فرق كبير بين البحث عن شهرة طارئة عبر نص يتم فهمه على انه تطاول على الدين وأخلاق المجتمع وشهرة دائمة وحضور عميق في الواقع الثقافي للناس، لأن الشهرة الطارئة لا تختلف عن الالعاب النارية تخطف الابصار والاسماع لحظات، لكنها تتحول إلى "لا شيء" بعد لحظات.
من لديه "البنية التحتية" للإبداع لا يحتاج الى اي احتكاك مع ثوابت المجتمع، وكل المبدعين الكبار في عالمنا العربي كانوا كبارا بإبداعاتهم وليس بأمور أخرى.
نتمنى أن تكون هذه الحادثة هي الاخيرة، وأن ندرك أن الإبداع يستمد قوته من الدين، بما يمثله من حضارة وثقافة لا قيودا.