الرقص المخجل في ملاعب الصهيونية

تزايدت في الآونة الأخيرة، تصريحات وخطابات صادرة عن إعلاميين وسياسيين عرب، من العديد من الدول العربية في القارتين، يتبنون فيها روايات الصهيونية، ليصل الحد إلى درجة نفي وجود شعب فلسطيني؛ كما يبدو لتبرير تقاربهم أو نيتهم التقرب لإسرائيل؛ في واحدة من أشرس مراحل العنصرية الصهيونية، وكيانها. وفي وقت بات فيه إسرائيليون يشككون، في أن يمتد المشروع الصهيوني لأجيال أبعد.اضافة اعلان
ومن أسبوع لآخر، تنتشر أشرطة في شبكات التواصل، تعرض ما يقولونه هؤلاء. وسجل أحدهم "ذروة"، بقوله إنه في العام 1948 لم يكن هناك شعب فلسطيني ولم تكن دولة فلسطينية، بل إنهم (الفلسطينيون)، عبارة عن شتات تجمعوا من عدة دول عربية. وهو يصر على ذلك، لا بل لجأ إلى آية مبتورة من القرآن الكريم، ليعزز روايته الصهيونية.
ومن المذهل أن نصل إلى وضع، يستوجب منا أن نثبت باللغة العربية، وجودنا كشعب أصيل متجذر، في وطنه. فأنا الفلسطيني، أعرف جدّي الفلسطيني العاشر، من أين انتقل من شمال فلسطين، إلى قرية كفركنا، مسقط رأس العائلة الواسعة، ومن ثم انتشار أبناؤها في ربوع فلسطين الرحبة. وغيري، يعرفون أجدادهم الفلسطينيين، بعدد أكبر، مما في حالتي.
وتنتشر هذه التصريحات، في ذكرى مرور 100 عام على تصريح وزير الخارجية البريطاني بلفور، الذي وعد الحركة الصهيونية بإقامة وطن لليهود، معتبرا إياهم "شعبا"، فيما تعامل مع الشعب الفلسطيني صاحب الوطن، على أنهم مجموعة أديان وطوائف، لا يستحقون حقوقا قومية، بل لهم حقوق دينية مدنية. يومها كان الشعب الفلسطيني يشكل 93 % من السكان في فلسطين العامرة، بينما المهاجرون أبناء الديانة اليهودية، شكلوا في ذلك الحين 7 %.
وكان شعار الصهيونية، وما يزال، أن فلسطين هي "وطن من دون شعب، لشعب من دون وطن". وقالوا في حينه، كما قال كثيرون لاحقا، ومن بينهم غولدا مئير، إنه "لا يوجد شعب فلسطيني". وحينما يئست واست نفسها بالقول، "الكبار سيموتون والصغار سينسون"، إلا أن مئير باتت مقبورة، والشعب المستهدف، ضاعف نفسه منذ ذلك الحين وأكثر. ومن المفارقة، أيضا، أن الاحتلال البريطاني لفلسطين، تعامل معها باسمها، الذي لا يعترف به ذلك الإعلامي العربي، وأمثاله الذين يتكاثرون. 
ثم يطل آخر، يغريه منبر إعلامي أجنبي، لينبذ الإرهاب في كل مكان، "وفي إسرائيل أيضا"، دون تأتأة، أو أن يرمش له جفن، على الأقل خجلا. شعب يُقتل يوميا على مذابح الاحتلال الإسرائيلي، يُقتل بالموت البطيء، بالجوع، بالحصار، بحرمانه الحق في الحياة الطبيعية، لينعته بالإرهاب.
وإسرائيل المأزومة، تتلقف أمثال هؤلاء بحفاوة، أكثر من حفاوتها بإدارة دونالد ترامب، الواقعة تحت سيطرة اليمين الصهيوني الاستيطاني. وتعرضها في وسائل إعلامها، لتقارعنا نحن الشعب المنكوب، بما يقول هؤلاء، رغم أنهم مهما تكاثروا، سيبقون نفرا هامشيا معزولا.
ولكن قد يصاب هؤلاء "بالصدمة"، حينما يعرفون أن الأبحاث والمقالات الإسرائيلية، التي باتت تشكك في إطالة أمد الكيان الصهيوني بحلته الحالية، تتكاثر. وقد برز من بين هؤلاء بنيامين نتنياهو، ذاته، حينما قال في ندوة عقدت في مقرّه الرسمي، قبل أقل من شهرين، "إن مملكة الحشمونئيم (اليهودية) استمرت 80 عاما، وأنا أريد أن تحتفل إسرائيل بعامها الـ 100"، وكان شبه إجماع على تفسير هذا القول، بعدم قناعة نتنياهو باستمرار الكيان، بصورته الحالية لأمد أبعد. والقصد عندهم، هو التقلبات الديمغرافية اليهودية الجذرية، التي تزداد فيها نسبة المتدينين المتزمتين "الحريديم".
والأمر "الصادم" الآخر لهؤلاء العرب، هو تعدد الأبحاث الأكاديمية الإسرائيلية، التي تؤكد عدم وجود آثار حقيقية في فلسطين التاريخية، تساند روايات التوراة. وأبحاث أخرى، تقول إن كل مملكة يهودية، ورد ذكرها في التوراة، لم تكن سوى مدينة صغيرة.
قد يكون هؤلاء يمهدون، أو يبررون مسبقا، تقرّبهم لإسرائيل، فيسعون لإقناع أنفسهم، إما بشطب القضية الفلسطينية من أساسها، أو تجريم الشعب المقاوم. وهذا يأتي في ظل أحاديث إعلامية، عن مشروع أميركي جديد، "لحل الصراع"؛ وكما يبدو، سيكون أقل حتى من الدولة الممسوخة التي يعرضها نتنياهو. ولكن الحقيقة التي يعرفها الصهاينة، في الكيان الإسرائيلي، وأولئك الذين يحاصرون المؤسسة الحاكمة الأميركية، هو أن أي حل، لا ينصف ذلك الطفل الجالس على عتبة بيته في مخيم "عين الحلوة"، لا أمل له. نقطة.