هل فعلا ستطور الحكومة امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، ليصبح امتحانا قادرا على قياس قدرات وإمكانات الطلبة بشكل موضوعي وعادل؟ سؤال تبادر إلى ذهني بعد أن دعا رئيس الوزراء عبدالله النسور، وزارة التربية والتعليم إلى التفكير في ذلك.
فالرئيس، وبعد انتهاء امتحانات الدورة الشتوية للثانوية العامة، وجه رسالة إلى وزيرالتربية والتعليم طلب منه فيها "التفكير الجاد في مراجعة تعليمات امتحان الثانوية العامة، وشكل الامتحان، وطبيعته، وإجراءاته، للوصول إلى صيغة فاعلة قادرة على تقييم مستويات المعرفة والمهارة والسلوك والقيم في آن معا".
واشترط الرئيس أن "لا يؤثر التصور الذي يتم إعداده على مبدأ الامتحان ومكانته في وجدان الأردنيين، وبشكل يحفظ للتعليم مكانته وقيمته، وللمعلم مكانته وهيبته، وللمتعلم حقه في امتحان يقيس القدرات الحقيقية دون المساس بهيبة الامتحان أو سمعته أو سلامة إجراءاته، ودون مزيد من الهدر في الوقت والجهد والمال".
ومع أهمية الطلب وضرورته، إلا أننا نتذكر أن هذا التوجه ليس الأول. فحكومات سابقة تبنت هذا التوجه، ونظمت من أجل ذلك الدراسات والأبحاث، وعقدت المؤتمرات، ونشرت التوصيات، ووضعت صيغا مقترحة لتطوير الامتحان؛ إلا أن الخطوة الرئيسة بإقرار صيغة من الصيغ لم تتخذ، وظل الأمر يراوح مكانه، مع أن هناك ضرورة لتطوير الامتحان ليوائم ويواكب التطورات العملية والتعليمية. فالكثير من الدول المتقدمة علميا لا يوجد لديها امتحان على نمط امتحان التوجيهي لدينا، بل لديها آلية مختلفة لقياس قدرات وإمكانات الطلبة. وقد حققت على هذا الصعيد إنجازات مشهودة.
ليس المطلوب منا اختراع صيغة مختلفة وجديدة كلياً، بل علينا الاستفادة من الدول المتقدمة، من خلال دراسة آلياتها، ووضع صيغة تتناسب مع هذه الصيغ، وتتلاءم مع المقتضيات المحلية.
لذلك، من الضروري أن لا تتلكأ هذه الحكومة أو التي ستأتي بعدها في إقرار صيغة مناسبة لامتحان التوجيهي؛ فأي تلكؤ هنا سيعني أننا نتراجع على صعيد التعليم الثانوي والجامعي، فنبقى ندور في حلقة مفرغة، ولن ينتظرنا العلم، ولا الدول المتقدمة، وسينعكس ذلك على الكثير من مناحي الحياة.
فتطوير التوجيهي سيلحقه، بالضرورة، تعديل أسس القبول الجامعي. وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء في رسالته إلى وزير التربية والتعليم، مؤكدا على ضرورة تعديل سياسات القبول الجامعي لضمان "تعليم جامعي فاعل لا ينخرط فيه إلا أصحاب الكفاءات والقدرات الحقيقية".
لا يجوز أن نتمنى تعليما جامعيا فاعلا، بل علينا أن نعمل من أجل ذلك. وليست القضية ترفا، وإنما هي هدف ملح وضروري واستراتيجي. فالأردن دولة تتغنى بنوعية التعليم الجامعي، وقد حققت سابقا إنجازات كبيرة على هذا الصعيد، وعدد المهنيين والجامعيين الذين يعملون في الدول العربية، وخصوصا الخليجية منها، يؤشر على مدى رقي التعليم الجامعي الأردني. ولكن مؤخرا تصاعدت الانتقادات للتعليم الجامعي ومستواه، ما يوجب تطويره، والخطوة الأولى على هذا الصعيد هي تطوير أسس القبول الجامعي، وقبلها تطوير امتحان التوجيهي.
لقد فعلت حسنا وزارة التعليم العالي عندما جعلت القبول الجامعي في بعض التخصصات مباشرا، وليس ضمن قائمة القبول الموحد. والمطلوب الآن التوسع على هذا الصعيد، وحسم الأمر، فالمماطلة تسبب أضرارا فادحة قد لا تكون الآن واضحة، ولكنها ستتضح لاحقا وستكون خطيرة.
mohammed.sweidan@alghad.jo

