تغيير الطريق الصحراوي

هل ستكون إعادة التفكير في الطريق الأردني الطويل الذي يربط العاصمة بمحافظات الجنوب الأربع وبشبكة طرق دولية مباشرة وغير مباشرة تمتد إلى ثلاث دول مجاورة للأردن، بداية لتفكير تنموي استراتيجي جديد؟اضافة اعلان
الطريق الصحراوي يمتد على طول حوالي 360 كلم من عمان إلى العقبة، ويربط الأردن بالميناء الوحيد، وله قيمة استراتيجية لا تقدر بثمن، كما يربط الأردن بالسعودية ومصر وبطرق غير مباشرة مع العراق. هذا الطريق يندر أن يوجد أردني لم يسلكه مرات، كما يندر أن يأتي زائر أو سائح إلى الأردن دون أن يسلكه؛ فهو رئة حقيقية للبلاد، مرّ تاريخيا بأربع مراحل أساسية في تدشينه على مدى ستة عقود.
اليوم، يقدم هذا الطريق دليلا آخر على مصير المشاريع الاستراتيجية التي شيدها الاقتصاد الريعي، دون وجود الإرادة والقدرة على استدامتها. فمعظم مراحل "الخط" الصحراوي موّلت بأموال وبمشاريع مساعدات عربية، أهمها الأموال العراقية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات التي ارتبطت بفاعلية ميناء العقبة كبوابة رئيسة للاقتصاد العراقي أثناء حقب الحروب والحصارات التي شهدها العراق.
الطريق الصحراوي اليوم مهترئ ومملوء بالمفاجآت من حفر وجرف وتشققات وانزلاقات. فوق ذلك كله، أصبح هذا الطريق مزدحما بما يفوق مرات الطاقة الاستيعابية وقدرته على التحمل. ويبدو أن الطريق في معظم مراحله جنوب المطار لم يشهد أي أعمال صيانة حقيقية منذ أكثر من عقد ونصف العقد، حتى أصبح السير عليه مغامرة حقيقية نتيجة حجم تهالكه والزحام الذي يتجاوز قدراته التصميمية، ما جعله مصيدة معلنة للموت في حوادث السير المتكررة.
إعادة التفكير في مستقبل هذا الطريق، وبذهنية تكاملية تربط بين مستقبل التنمية وإعادة ربط أقاليم البلاد ببعضها بعضا، تحتاج رؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار حجم الموارد المتوفرة في جنوب المملكة، ومستقبل التنمية، وإعادة توزيع السكان، وحاجة الأردن المصيرية إلى بناء مجتمعات عمرانية جديدة ومدن وبلدات، للتخفيف من حدة تورم خاصرة البلاد، ولزيادة القيمة المضافة للاقتصاد الوطني حينما يذهب الناس إلى الموارد وليس حينما تذهب الموارد إلى الناس. ولا يمكن أن تنطلق أي رؤية استراتيجية في هذا الاتجاه دون التفكير أولا بالطرق وخطوط المواصلات والاستثمار في البنية التحتية.
نلاحظ  حفاظ  قطاعات مهمة من البنية التحتية على معدلات نمو شبه ثابتة لا تتفق مع النمو السكاني والحاجات التنموية المتزايدة؛ بمعنى أن النمو السكاني كان يتصاعد على نمط المتوالية الهندسية، فيما النمو في قطاعات البنية التحتية بقي ينمو على نمط المتوالية الحسابية. وعلى سبيل المثال، فإن مجموع أطوال الطرق في العام 1990 كان في حدود 6041 كلم، بينما وصل في العام 2007 إلى حوالي 7768 كلم؛ أي إن الطرق حافظت على معدل نمو ثابت في حدود 90-100 كلم في العام الواحد، رغم التحولات الواسعة التي شهدتها البلاد.
يضاف إلى ذلك الاختلالات التي شهدتها أحوال البنية التحتية نتيجة الزيادة القسرية الكبيرة للسكان، والمتمثلة في الموجة التي شهدها الأردن في التسعينيات، والحركة السكانية المفاجئة والكبيرة من العراق وحاليا من سورية. وكانت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة قد أشارت صراحة في أحد تقاريرها العام 2007 إلى أن "تدفق اللاجئين العراقيين استهلك البنى التحتية في الأردن".
اليوم، ثمة أزمة تنموية مركبة يتداخل فيها سوء إدارة الموارد وسوء توزيع عوائدها وسوء التعامل مع الوفرة والندرة بمنظور وطني تكاملي. ولعل التفكير في الاستثمار التنموي بعيد الأجل في النية التحتية، وعلى سبيل المثال الطريق الصحراوي، سيكون بداية لسلسلة من المشاريع التنموية الجادة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستثمار  في البنى التحتية في أوقات الأزمات الاقتصادية أداة لتحريك الاقتصاد وإنعاشه.

basim.tweissi@alghad.jo