حادثا طرق في إسرائيل

خلال شهر واحد، وقع في إسرائيل حادثا طرق منفصلان، لكل منهما قصته ومآسيه، ولكنهما يلتقيان في حضيض العنصرية الإسرائيلية على المستويين الرسمي والشعبي، وهما نموذجان للعنصرية الإسرائيلية المستفحلة.اضافة اعلان
وقد وقع الأول صبيحة يوم ذكرى النكبة، الخامس عشر من أيار (مايو) الماضي؛ سائق شاحنة شاب عربي في مقتبل العمر، فقد السيطرة على الشاحنة الكبيرة التي كان يقودها في أحد شوارع تل أبيب المركزية، جراء انفجار أحد دواليب الشاحنة الأمامية، فأصاب عدة سيارات، وأسفر الحادث عن مقتل شخص وإصابة آخر بإصابة متوسطة، وآخرين بإصابات طفيفة.
ومنذ اللحظة الأولى خرجت وسائل الإعلام المختلفة في إسرائيل تتحدث عن "عملية فلسطينية". وقد جرى إلقاء القبض على السائق، الذي كان في حالة نفسية هائجة جراء الصدمة، وتعترف الشرطة الإسرائيلية، ومعها المخابرات، أن الشاب نفى منذ اللحظة الأولى أن يكون الحادث متعمدا أو كان في نيته تنفيذ عملية، وهو البعيد عن هذه الأجواء، كما يتضح وتؤكد عائلته ذلك.
وكان من الطبيعي أن تكتفي الأجهزة الإسرائيلية بهذا التصريح، إذ جرت العادة أن من ينفذ عملية ويوقع أضرارا، أن تكون إفادته مختلفة، فإما أن يعترف بنيته، أو أن يلتزم الصمت، إلا أن إصرار الأجهزة الإسرائيلية يؤكد مرّة أخرى أنها مصدر بث أجواء العنصرية ضد العرب، وأمام مشهد كهذا، ليس صدفة أن تكون أجواء التحريض في غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية حول هذا الحادث قد وصلت الذروة.
وتواصل الأجهزة إصرارها، فقدمت لائحة اتهام ضد الشاب، في حال قبلتها المحكمة فإن الشاب لن يرى الحرية في حياته أبدا.
أما الحادث الثاني فقد وقع في نهاية الأسبوع الماضي؛ سيارة تقل أربعة شبان عرب من مدينة عكا، أكبرهم 26 عاما وأصغرهم فتى في الخامسة عشرة من عمره، اصطدمت بقوة بجدار فأودت بحياتهم جميعا، وكان الحادث المأساوي قد وقع في ساعات الفجر الأولى، وتابعت كغيري الحدث عبر مواقع الانترنت الإخبارية، وبشكل خاص موقع "واينت" أكبر المواقع الإسرائيلية.
وفي الساعات الأولى، كانت هوية الضحايا مجهولة، وقبيل ظهر اليوم ذاته، سُمح بالنشر عن هوية الضحايا، ورغبت في مراقبة ردود الفعل من خلال التعليقات في موقع "واينت" العبري، وكان المشهد يعكس حقارة وتليق به كل الأوصاف الشبيهة وأكثر.
ولنقرأ بعض هذه التعليقات على حادث مأساوي ضحاياه فتيان عرب: "أليس خسارة تدمير السيارة"، و"إنه حظ من السماء أن هؤلاء لم يقتلوا أحدا في طريقهم"، و"حظنا أن السائق اصطدم بجدار ولم يقتل عائلة"، و"من حظنا أنهم لم يقتلوا أبرياء"، و"لمن هذه السيارة المسروقة" وهي لم تكن مسروقة، و"ليتعلموا أن يكونوا حضاريين وأن يتعلموا ثقافة السواقة" والحديث موجه في هذه التعليقات ليس فقط استهزاء بالضحايا بل بالعرب جميعا.
عدت للخبر الأول في الموقع نفسه، حين لم تكن معروفة بعد هوية الضحايا، فكانت التعليقات في منتهى الانسانية. وقد يقول قائل، إن هذه مجرد تعليقات وقد يقف من ورائها شخص واحد، والسؤال الذي يطرح نفسه ردا: وأين العاملون في الموقع الذين نعرف عنهم أيضا أنهم يشطبون تعليقات لا تروق لهم سياسيا؟ فنحن نتحدث هنا عن موقع ضخم تابع لأكبر صحيفة إسرائيلية، "يديعوت أحرنوت"، والتي تتماشى مع تيار الوسط، وليس موقع لعصابات المستوطنين الارهابية.
الخطورة في العنصرية الإسرائيلية المتصاعدة، أنها باتت موضوعا للجذب الإعلامي، وللارتقاء السياسي في حضيض السياسة الإسرائيلية، فكل وسيلة إعلام تريد أن تنتشر فإن الطريق الأقصر أن تكون متطرفة، أما الوزير وعضو الكنيست الذي يريد الوصول إلى وسائل الإعلام الكبرى، فيكفي أن يخط قانونا عنصريا لا يخطر على بال العقل الإنساني الحضاري، ليرى خلال ساعات صورته تنتشر في كل وسائل الإعلام وعلى أشكالها المختلفة.
إن العنصرية الإسرائيلية مصدرها أساسا الفكرة الصهيونية، ولكن مصادرها اليوم باتت أوسع وأخطر، فهي تهدف أساسا لقتل الشعب الفلسطيني بأكمله قتلا بطيئا، ولكنها في الوقت نفسه وسيلة للتسويق السياسي الشخصي والشهرة على الساحة الداخلية، وزد على ذلك للكسب الإعلامي والتجاري والقائمة لا تنتهي هنا.

barhoum.jaraisi@alghad.jo