ماذا يعني تأكيد الولايات المتحدة، وتالياً بريطانيا، ومعهما بالضرورة كل حلفائهما الغربيين تحديداً في الحرب الحالية على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق، بأن هذه الحرب ستكون "حرباً طويلة" تمتد لسنوات؟
المضمون الأوضح والقاطع لمثل هذا التأكيد هو أن هذه الحرب الغربية خصوصاً على "داعش"، ليست حرباً عسكرية خالصة؛ وإلا لكان بمقدور الولايات المتحدة، وحدها، سحق التنظيم؛ رجالاً وعتاداً في بضعة أشهر إن لم يكن أقل من ذلك، والتفرغ من ثم للتعامل مع ارتداداتها على صعيد الأمن الداخلي الغربي، مع عمليات عسكرية "موسمية" في المنطقة كلما اقتضت الضرورة.
بناء على ذلك، يكون السؤال الأبسط طرحاً، إنما الأعقد مضموناً: كيف تنتهي الحرب الغربية على "داعش"؛ أي وفق أي معطيات يكون ممكناً إعلان الانتصار، وانتهاء العمليات العسكرية؟ هنا يمكن القول إن أحداً لا يملك إجابة نهائية عن هذا السؤال، بما في ذلك محتكرو القرار النهائي بهذا الشأن، لاسيما صناع القرار في الإدارة الأميركية. لكن هؤلاء لا بد وأنهم يبلورون مجموعة بدائل، يبدو من بينها، وأكثرها خطورة، ذاك المستند إلى قناعة بأن الصراع العربي-العربي إذ صار طائفياً، لاسيما شيعياً-سُنّياً، فإنه من غير المعقول ولا الممكن أبداً بالنسبة للغرب عموماً رأب صدع عمره قرابة 1400 سنة. ومن ثم، فلا يكون من خيار منطقي وعملي لحل معضلة "الشرق" إلا التقسيم -تحت مسميات مختلفة ملطفة، ومرحلية فقط (لامركزية، وفيدرالية، وسواهما)- وفق أسس طائفية مذهبية، كما عرقية في حالة الأكراد.
وقد يبدو هذا مناسبة لأنصار نظرية المؤامرة العرب للاحتفال على ركام الأوطان العربية، بدعوى انتصار نبوءتهم بشأن "الربيع العربي". لكن عند وضع الأسباب والنتائج في ترتيبها الحقيقي بدلاً من عكسها، كما يقوم هؤلاء فعلياً، فسيكون "تقسيم المقسم" هو جريمتهم وحدهم وليس أي فريق آخر، بما في ذلك أميركا أو حتى إسرائيل. وبعيداً عن كل ما يسمى زوراً "قضايا خلافية"؛ كما هي حال سورية خصوصاً، حيث يؤيد أنصار المؤامرة "الاستبداد" فيما يتباكون بسبب الديمقراطية المنقوصة في بلادهم؛ فإن العراق يظل أكبر دليل إدانة كاف لأنصار الاستبداد. فبعد دعم استبداد صدام حسين من غير قيد أو شرط، كان التواطؤ مع أعدائه على حساب كل مكونات الشعب العراقي الأخرى، وبما أفضى إلى دفع أهل السُنة هناك تحديداً إلى التطرف. أهم من ذلك أن حركات التطرف، بداهة، لم تنشأ بين يوم وليلة، بل هي النتاج الحتمي للاستبداد الذي ترعرعت في كنفه؛ بشكل مباشر أو غير مباشر.
مناسبة التذكير بما سبق وإن بات معروفاً تماماً، أن حربنا الطويلة ضد "داعش" وضد "التقسيم" تبدأ من التخلي عن هذه الذرائع في دعم الاستبداد وبما أدى إلى خيار "تقسيم المقسم"؛ أي العودة إلى المواطنة التي تعني الاعتراف بإنسانية الإنسان العربي، وجوهرها حقوقه الكاملة كما واجباته، بغض النظر عن أي تمايز على أي مستوى. كذلك، وبدلاً من إغلاق الحدود، وبالتالي تقليصها بما يطابق هويات عرقية أو دينية أو مذهبية، أو جعلها مستباحة من "داعش" وأشباهه، فإنه ليس من خيار عربي إلا توسيع هذه الحدود بمقتضيات التكامل العربي، بمشاريع تنموية حقيقية.
باختصار، إما أن نخوض حرباً طويلة نحو رد الاعتبار للإنسان العربي؛ حرية وكرامة، أو أن نواصل حرباً أطول وقودها هذا الإنسان، لكنها ستطال بنيرانها سريعاً، ضمن آخرين، الأنظمة التي تبقي النيران مشتعلة ظناً، منها أنها تخدمها.