حرية الإعلام أولاً

ما يزال الإعلاميون والصحافيون يدفعون بدمهم وحريتهم ثمن نزوعهم نحو العمل المهني المحترف، وما تزال الأنظمة العربية تحشر الإعلام في لعبتها غير الذكية، وفي تبريراتها ورواياتها التي لا يصدقها أحد، حول ما يجري من ثورات واحتجاجات اجتماعية وسياسية في عديد العواصم والمدن العربية.اضافة اعلان
الزميل سليمان الخالدي الذي دخل درعا الأسبوع الماضي، حاملا جهاز حاسوب فقط، وللدقة أكثر "آي باد" و"بلاك بيري"، لم يحمل معه أي قطعة سلاح، ولهذا سبب منطقي هو أن مدير مكتب رويترز في عمان، لا يعرف أصلا كيف يستخدم السلاح، ويمتلك جسدا نحيلا لا يستطيع حمل أو إخفاء أي شيء.
دخل درعا متسلحا بفكرة منطقية أيضا هي أن الصحافي المتميز يذهب إلى موقع الحدث ولا يغطيه عن بعد، فالخالدي من أبرز الصحافيين الأردنيين، ولا يستطيع أحد أن يشكك في مهنيته واستقلاليته ونزاهته العالية، وهو من الصحافيين الذين لا يلتفتون إلى الوراء، ولا يحسب خطواته بعامل الربح والخسارة، ما يهمه هو تحقيق السبق الصحافي بعين الخبير المهني المتمرس.
منذ مساء الثلاثاء 29 آذار (مارس) الماضي اعتقل الأمن السياسي السوري الزميل الخالدي، وأفرج عنه مساء أمس، بعد وجبة تحقيق عن الأجندة الغربية التي يحملها، والتي حاول النظام السوري تمريرها بوجود مؤامرة خارجية تستهدف الموقف السوري المناهض للإمبريالية والصهيونية.
ليس من مهام الخالدي ولا غيره من الصحافيين والإعلاميين تبنّي رواية الحكومة السورية، أو أي حكومة عربية أخرى، حول ما يحدث من ثورات واحتجاجات في العواصم والمدن العربية، وعلى كل الحكومات احترام حرية الإعلام والالتزام بتعهداتها بحق الإعلاميين في التغطية المستقلة، ولا تجوز مساءلتهم وسجنهم بسبب ذلك، لأن الصحافيين الذين يغطون الأحداث طرف محايد، وليسوا جزءاً من المحتجين، وهم شهود على ما يحدث ويجري، ومن غير المقبول معاقبتهم لأنهم يقومون بواجبهم.
اعتقال الصحافيين، يفتح الحديث مجددا عن أهمية توقف الحكومات العربية عن كل أشكال القمع والضغوط التي كانت تمارس ضد حرية الإعلام بمختلف أشكاله، وعليها مراجعة كل التشريعات التي تضع قيودا على الإعلام لتتواءم مع المعايير الدولية لحرية الصحافة.
إن القمع وكبت حرية التعبير والإعلام لا يمكن أن يدوما مهما كانت الوسائل المتبعة، ومهما قويت القبضة البوليسية، وعلى الحكومات العربية التعلم من تجارب غيرها، وإنجاز إصلاحات حقيقية وفتح المجال لحرية التعبير والإعلام.
أفضل إنجازات العرب في السنوات الأخيرة التطور المدهش الذي أصاب الإعلام، والفضائي منه بالتحديد، فلولا عدسات مصوري "الجزيرة" و"العربية" لما عرفنا ما حدث في معظم الدول العربية من ثورات. صحيح أن الزملاء يدفعون من دمهم ضريبة العمل المهني المحترف، لكنها ضريبة مشرفة للإعلام العربي، ولولا التقارير الميدانية التي ينقلها الزملاء المؤمنون بعملهم، لما عرف المواطن العربي حقيقة ما يجري حوله.
فلماذا تتكرر مآسينا في أبناء هذه المهنة تحديداً؟ فمن ليبيا والاغتيال الغادر للزميل المصور الصحافي في "الجزيرة" علي حسن جابر، إلى العراق والصورة المتكررة هناك من قتل زميلنا طارق أيوب، الشاهد الحي على  بداية الاحتلال الأميركي للعراق، إلى قتل الزميل مراسل "العربية" صباح البازي، إلى سورية واعتقال الخالدي إلى.. إلى..
كلنا أمل أن تفهم الأنظمة العربية أنه حان الزمن الذي تقف فيه مع نفسها وقفة صراحة وصدق، فمهما حاولت تعتيم الأحداث إعلامياً لابد لها من الظهور، لأننا في زمن ينقل الحدث فيه جهاز لا يتجاوز قبضة اليد، ولطالما رأيناه ينقل الصورة وهو بين أصابع الشهيد نفسه، فيشهد على الجاني بالجريمة، وعلى المجني عليه بالبراءة.