حكومة في زمن أردني مثقل بالتحديات

إذا كان د. معروف البخيت غير محظوظ أبدا في الفترة التي ترأس فيها الحكومة، وكان مزاج الشارع فيها فائرا لا يقبل بأنصاف الحلول ويريد أن يرى إصلاحا سريعا، فإن مقبل الأيام أمام د. عون الخصاونة أصعب بكثير، وسوف تتلاشى كل موجات الترحيب وحتى الغزل عند أول منعطف لا يأتي على سكة المزاج الشعبي، ويكون متناغما مع مطالبه.اضافة اعلان
نحن نعيش في زمن جديد ومتغيرات أصابت بنيان المجتمعات، زمن عربي تتفتح فيه جنائن الحريات والمطالبة بالتغيير والإصلاح. ونحن في زمن أردني مثقل بالتحديات الكبرى، وفيه يبحث أصحاب القرار السياسي عن كلمة السرّ التي ستفتح على باب التغيير وتلبية متطلبات برنامج إصلاحي بات ضرورياً وملحّاً ولا يحتمل التأجيل.
ليس بالضرورة أن يحمل قرار تغيير الحكومات معاني تغيير السياسات الرسمية القائمة التي أثقلت كاهل المواطن وربّما أفقدته رشده، وتبنّي سياسات إصلاحية جادّة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لقد اجتمعت في الأسبوعين الأخيرين أسباب عديدة وتقاطعت جميعها في بؤرة انفجار للشارع الأردني، وأدّت بالتالي إلى تغيير حكومة البخيت على حساب الروزنامة التي كانت في ذهن صناع القرار، وذلك بعد توالي الأزمات وردود الأفعال الشعبية والرسمية إلى درجة الإخلال بهيبة الدولة ومؤسساتها.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: لماذا تفاقمت حالة التوتر والتأزم على الرغم من تحقيق خطوات إصلاحية لا يمكن إنكار أهميتها؟
ما تمّ تقديمه من إصلاحات جاء تحت ضغط القوى السياسية ومطالبها في تعديل عدد من القوانين والتشريعات الناظمة للحياة العامة، ولكن من دون أن تترافق مفاصل الإصلاح السياسي مع نظم وتشريعات اقتصادية ذات دلالات اجتماعية ومعيشية، تشكّل همّاً وكرباً يومياً لآلاف العائلات الأردنية. وبهذا الواقع، إن لم يطرأ عليه تغيير جذري في الحكومة الجديدة، وبقيت السياسات والتشريعات الاقتصادية على حالها، فإن لغماً ما سيبقى في حضن الحكومة، لا أحد يعلم متى سينفجر.
لم تجر أي من الحكومتين الأخيرتين والجهات المعنية برسم الاستراتيجيات مراجعة شاملة للتجربة في ضوء المستجدات التي فرضها الشارع الأردني والحراك السياسي المستند إلى قواعد اجتماعية جديدة، كانت محسوبة فيما مضى على الأغلبية الصامتة.
إن غياب هذا العامل أفقد الحكومة السابقة تحديداً القدرة على وضع استراتيجيات واضحة للتغيير في إطار منظومة متكاملة وآليات عمل محددة وواضحة، وظهر بوضوح ضعف المجسات التي تلتقط ردود فعل الشارع، لهذا كنا نخرج من أزمة لندخل في أخرى.
في نفس الوقت الذي جرت فيه تعديلات دستورية وقانونية مهمّة جداً، انزلقت القوى المضادّة للتغيير نحو تقييد وتحجيم هذه الاستحقاقات، فأصبح المشهد مشوّشاً تماماً بعد إقرار المادة ٢٣ في قانون هيئة مكافحة الفساد، وغياب النظام الإداري الواضح في قانون البلديات، واستخدام البلطجة في مواجهة بعض التجمعات الشعبية، فأين حسابات ردود الفعل الاجتماعية والشعبية؟
لقد غابت تماما عن أجندة الإصلاح وعن الإجراءات الرسمية، الأمر الذي أدّى إلى حدوث جملة من المتناقضات في المشهد السياسي العام بين الخطاب الإصلاحي ودعوات الحوار، وبين المنزلقات التي أوقعت الجميع في زوايا حادّة وأزمات بحاجة إلى حلول سريعة.
رئيس الحكومة الجديدة كثر الناصحون له، وكثر أيضا المشترطون عليه، وتغزلت فيه قوى عديدة، حتى وصلت إلى الإسلاميين الذين ستتغير أجندتهم على ما يبدو، ويقتربون يوما بعد يوم من مغانم الصفقة التي سحبت التطرف من خطابهم، وتتوج اليوم إن صحت المعلومات بعودة حركة حماس إلى البوابة الأردنية.
كلمة السرّ الدقيقة التي لا تخطئ هي اعتماد استراتيجية جادّة للإصلاح السياسي والاقتصادي المعيشي والمباشر، فالفئات الفقيرة التي وقع عليها ظلم الجشع والفساد ونهب المال العام وغياب الحريات هي التي يجب أن تتلمّس بيدها منافع الإصلاح، لا أن تدفع ثمنه مرّتين.
الجرأة والشجاعة تقتضيان دفع مستحقات الإصلاح السياسي والاقتصادي من جيوب ومصالح الفئات التي أوصلت البلاد إلى حواف الانهيار.