اليوم الخميس ذكرى اغتيال رفيق الحريري، رحمه الله، ومنذ ذلك التفجير دخلت الدولة اللبنانية في تفجيرات واغتيالات، والأهم حالة افتراق سياسي وخندقة سياسية.
لبنان في هذه الأيام ما يزال عاجزاً عن انتخاب رئيس له، وما يزال عمرو موسى يصل ويغادر بيروت، ينظم لقاءات بين الفرقاء، يشاهدهم الناس يضحكون ويتصافحون، وربما يتبادلون النكات، لكنهم لا يخرجون باتفاق، حتى أصبحت وساطة عمرو موسى لا تختلف عما نشاهده في مواسم الانتخابات النيابية من محاولات لبناء إجماع عشائري حول مرشح واحد، وكثير من هذه المحاولات تفشل رغم ما يتم من اجتماعات طويلة وكثيرة، ورغم كل الحديث الجميل حول مصلحة العشيرة، لقاءات يتم فيها تدخين مئات السجائر وشرب عشرات كاسات الشاي، وأحياناً تناول عشاء وغداء، لكن المحصلة أن سجل المرشحين يحمل عدداً من مرشحي العشيرة ذاتها.
هكذا فإن لبنان، بكل الوساطات التي تمت لأجل تحقيق توافق لحل مشكلاته، لم يحقق أي توافق، تدخل الأوربيون والروس والعرب دولاً وجامعة دول.. لكن المحصلة: لم ينجح أحد!
كلنا يعلم أن زعماء لبنان الذين نراهم في الاجتماعات، بعضهم يمارس تضييع الوقت عبر الغرق في التفاصيل أو اختراع المشكلات، والجميع ينتظر القرار من الخارج، وعندما يتم التوافق بين أسياد لبنان الحقيقيين ستختفي كل المعوقات. والمضحك المبكي أن كل الوسطاء يعرفون العنوان الحقيقي للحل سواء في واشنطن أو الرياض أو دمشق أو طهران، لكن هؤلاء ايضاً يمارسون التمثيل عندما يجتمعون مع مندوبي المبيعات. الذين يحتلون المواقع الشكلية في الساحة اللبنانية.
وحتى قضية اغتيال الحريري فإنها تحولت الى جزء من اللعبة، فمن يتولون التحقيق أدخلوا العقوبة والكشف عن الجاني في تفاصيل أي صفقة ممكنة. فمن يعطل انتخاب الرئيس يحاول امتلاك ورقة، ومن يقتل ويفجر يفعل ذات الشيء، وفي المحصلة فإن الدولة اللبنانية هي الضحية، فقد أصبح لبنان جزءا من صفقات الإقليم وورقة تم تقسيمها بين الفرقاء، كلٌ يحاول اعطاء أسياد الخارج قوة إضافية عبر تلاعبه بالجزء الذي بين يديه. لكل طرف من أطراف الملف اللبناني أسياد في الخارج يعبث به حسب مصلحته، فاذا اقتضى الأمر كانت تفجيرات واغتيالات وحروب أو اعتصامات ومظاهرات أو تصعيد إعلامي واتهامات.
ولكل دولة أدواتها في الداخل بغض النظر عن الرقم الذي تحمله هذه الادوات، والتي تتوزع بين شباط وأيار وآذار، وكل الدول ليست معنية بأمن اللبنانيين واستقرارهم، وإذا كانت محصلة أي دولة من دول الخارج إشعال حرب أهلية جديدة فلن تتردد.
الحكاية ليست فقط في لبنان، فالعراق ايضاً نموذج لدول تم اختطافها، كان الخاطف الأساسي هو الاحتلال الأميركي، الذي فتح أبواب الشركاء في الاختطاف لهذا الوطن ومصالحه وأمن شعبه، ولن تحل مشكلته حتى يصبح قراره من أهله وقواه السياسية، وليس ممن يحكمونه عبر هذه القوى.
مثلما تشعر الدول بتحدي المشكلات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية فإن عليها أن تدرك أن إحدى أشكالها هدر الدولة، ونقض أسسها أن يكون في داخلها من يعمل في وطنه أداة لغيره، سواء كان ممثلاً لأجندة دولة أو أجندة تنظيم أو حتى رأس مال ومصالح اقتصادية. فالعمالة ليست الجاسوسية بشكلها البسيط، لكن أخطر أشكالها أن يكون مسار أي فرد أو هيئة أو تجمع سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي لإرضاء الخارج، سواء كانوا دولاً أو حتى لو كانوا ممولين لنشاط أو عمل.
الاستقواء بالخارج أو العمل كوكيل ومندوب أو مخلب من أي طرف في أي دولة أو وطن هو المفتاح لتحويل أي دولة الى جزء من معادلات حكم الآخر. وسواء كان لشخص أو لتجمع أو الإطار قوة شعبية أو من أصحاب المواقع فالمحصلة واحدة.
ومن يعتقد أن الحفاظ على موقعه أو نفوذه لا يتم الا بربط نفسه بجهة خارجية، وعندما يفقد هذا النفوذ يمارس كل أنواع الاستقواء أو التحريض على وطنه، مثل هذه النوعية هي الخطر الحقيقي الذي قد لا يظهر دوره الا في المراحل التي تحتاج فيها الأوطان الى التماسك وتقديم المصلحة الوطنية الحقيقية، وليست تلك المصالح التي تسمى وطنية، لكنها صدى لمصالح الأسياد في الخارج.