نحسب أن قضية الشاب مازن عبد الجواد المتهم حالياً في السعودية بـ"المجاهرة بالمعصية" بعد أن ظهر على شاشة إحدى القنوات الفضائية اللبنانية في برنامج يتحدث عن اللون الأحمر والخط العريض، وهو يفاخر بعلاقاته غير الشرعية، ليست قضية سعودية فقط، بل قضية تهم العرب جميعاً، ذلك أنها تمس آخر الخطوط الحمراء التي علينا حمايتها في وجه الانهيار الحضاري المريع الذي نعيشه: الأخلاق.
وصلني رابط على "يوتيوب" يتضمن مشاهد من الحلقة مثار الجدل، فإذا هي مثيرة للاشمئزاز، تتضمن مشاهد لـ"غرفة حمراء" يمتلكها الشاب المتهم، يقول إنه يمارس فيها معظم نشاطات حياته، ومشاهد أخرى يعرض فيها "هدايا" وصلته ذات طابع جنسي، ولكنْ "مضحك!" بحسب ما يعتقد، ثم حوارات هزلية مع أصدقائه في "الشقة" ذات مضامين وإيحاءات غير أخلاقية، وصولاً إلى مشهد نزوله من السيارة على باب أحد المولات في جدّة، كي "يجرب حظه هذه الليلة"!.
اعتُقل الشاب من قبل شرطة جدة، وجرى تسليمه إلى "دائرة العرض والأخلاق في هيئة التحقيق والادعاء" للتحقيق معه، وهناك قال إن الحلقة مفبركة، وإن ما رواه لم يكن حقيقياً، فيما قالت المحطة الفضائية إنها تنظر لتصريحات الشاب أمام الشرطة "من زاوية إنسانية"، وإنها لذلك "تتفهمها" وستتريث قبل التدخل في القضية. ومن المؤكد أن الشرطة السعودية قد أحسنت صنعاً هذه المرة، لأن الموضوع تجاوز كل الحدود المعقولة، سواء من الشاب أو من المحطة التي أذاعت البرنامج، ولم يكن ممكناً السكوت عنه.
على أن الأمر لا يتوقف عند "المجاهرة بالمعصية"، بل يطال الحد الأخلاقي الذي يتوقف عنده من ينقلون عن التلفزيونات الغربية أفكار برامجهم ومحتوياتها، إذ يبدو أن الأمر فاض عن نقل برامج المعلومات والمعرفة والعمل الإنساني، إلى نقل البرامج التي تتحدث عن الخصوصيات الشخصية والعائلية، بما فيها العلاقات بين الجنسين، ولن نتورط في اتهام تلك الفضائيات "العربية" التي تنقل عن الفضائيات الغربية كل كبيرة وصغيرة، بأنها ضالعة في "مؤامرة!" أو أنها تريد إفساد المجتمعات العربية، فليس ثمة هدف لهذه الفضائيات إلا الربح المالي، من دون أية ضوابط أخلاقية أبداً.
بدأ الأمر ببث برامج الخصوصيات مترجمة إلى العربية، وشاع مؤخراً أن هناك مخططات لإنتاج نسخ عربية منها، يروي فيها الناس حقائق حياتهم الشخصية، على طريقة "الاعترافات"، مقابل الحصول على جائزة مالية، بما فيها تلك الاعترافات التي تنطوي على إقرار بارتكاب الذنوب، سواء بالمعنى الديني، أو الاجتماعي والأسري، أو الأخلاقي، فالنتيجة واحدة، وهي إقرار الشخص علناً بأنه فعل ما لا يجوز فعله.
ليس المعنى التفريق بين ذنوب الخفاء وذنوب العلن، فهما في المحصلة مدانان ومرفوضان معاً وبالدرجة نفسها، بل المعنى أن الحديث العلني عن الذنوب، كما فعل مازن عبد الجواد، إنما يعني تسويغها، وتقديمها للناس باعتبارها شيئاً مقبولاً وجائزاً وطبيعياً، من دون مراعاة لكون ما تقبله مجتمعات أخرى وتستسيغه وتعتبره مقبولاً، ترفضه مجتمعاتنا وتحرّمه، ولا يكون مقبولاً من ثم تسويقه على أنه ممارسة طبيعية وسلوك إنساني مجرد، من دون ظلال أخلاقية وقيمية، ومن أجل هدف واحد لا ثاني له: جذب المشاهدين ولفت انتباههم بعد أن ملوا معظم البرامج، من أجل أغراض تجارية بحتة.
ليس علينا ممارسة خطاب ديناصوري عن "رسالة الإعلام"، ودوره التنويري والإصلاحي، لأن ثمة كثيرين يرفضون هذه اللغة. كل ما نقوله إنه إذا كان الإعلام بلا رسالة إصلاحية، فليكن أيضاً بلا رسالة تخريبية، وليعفِنا من تحويل نعمة الفضائيات وحرية الإعلام والمعلومات، إلى نقمة.