رابطة الكتاب الأردنيين.. خارج النص

    يتوجه الكتاب الأردنيون اليوم الى مجمع النقابات المهنية لانتخاب هيئة إدارية جديدة للرابطة، في أجواء يبدو فيها تراجع حدة الشعارات السياسية هذه المرة. إلا أن المناخ الأيديولوجي ذاته ما زال هو المخيم، وما تزال خطوط التقسيمات التقليدية هي أداة الفرز، كما هي أداة الإقصاء والتهميش المتبادل بين الاتجاهات والكتل المتنافسة في الانتخابات، الأمر الذي سينسحب على أداء الرابطة وفعاليتها ولون حضورها لعامين قادمين.

اضافة اعلان

    تأتي هذه الانتخابات مع ازدياد إدراك المنتجين الحقيقيين للثقافة بان الرابطة تراجعت، ليس فقط في دورها الثقافي بل وفي طريقة تعبيرها المدني والسياسي؛ حينما عجزت عن التكيف الإيجابي مع المحيط المحلي والإقليمي، ومع تفاصيل المشهد والحياة الثقافية، ولم يعد يتوفر لدى الكثيرين الاحساس بوجود الرابطة ودورها في الحياة الثقافية، إلا كلما اقترب موسم انتخاب هيئة إدارية جديدة، إذ تتبارى بقايا الفصائل الأيديولوجية في الحشد و"لملمة" ما تبقى من شعارات ونفض الغبار عنها، في معركة يستعاد فيها تراث النضال القومي واليساري والليبرالي والمرجعيات الثقافية والأيديولوجية بكل منابتها ومشاربها ومقابرها، وتسترجع فيها ذكريات التضامن مع قضايا التحرر ونضالات الشعوب من ناميبيا وحركة سوابو الى غواتيمالا وأحوال جيش فدائيي الفقراء وصولا الى اجندات المحافظين الجدد اليوم.. يحضر كل شيء إلا أحوال المثقفين والثقافة في الأردن.

    وعلى الرغم من كون رابطة الكتاب الأردنيين مرخصة باعتبارها جمعية ثقافية، إلا أنها في الواقع اكبر من جمعية واقل من تنظيم نقابي. وعلى الرغم من تاريخها النضالي في حقب مضت، والذي لا يمكن إنكاره، حينما واجهت وتصدت لهجمات متتالية حاولت أن تغيب حراك المجتمع المدني الأردني، إلا أنها بقيت تعاني من أمرين؛ أولهما الفجوة بين الخطاب والممارسة في السلوك الديمقراطي داخل الرابطة ذاتها، وفي تعامل الهيئات الإدارية مع أعضاء الهيئة العامة، وبالتحديد حالة الاستقطاب المتوارث حول الكتل الانتخابية.

    فالعودة الى قراءة التقارير الإدارية لثلاث هيئات مضت توضح حجم التهميش والنفي الذي تمارسه كل هيئة جديدة في حق التيار الآخر، مما يكرس أحد أشكال الفساد الثقافي بالاختباء خلف الخطاب الديمقراطي.

    أما الأمر الثاني فيتمثل في الابتعاد عن الحياة الثقافية الأردنية، وتراجع الهم الثقافي المحلي في أنشطة الرابطة وفعاليتها، مما يعكس حالة الاغتراب الثقافي بين مجتمع المثقفين والأطر المؤسسية التي تتحدث عنها بالوكالة.

    وفي ضوء التحديات القائمة وتواضع حجم إسهام الرابطة في الحياة الثقافية، وتحولها الى مجرد منبر للتعبير السياسي الموسمي، وعجزها عن توحيد الأطر المؤسسية للكتاب الأردنيين، تبدو الحالة وكأن التغيير الذي اجتاح العالم بأسره منذ سنوات، وغيّر في المناهج والأدوات، وطال البنى الفوقية قبل أن ينال الحفائظ الداخلية، كل ذلك وكأن الرابطة لم تأخذ به علما بعد، وكأنها تحيا خارج النص السائد بالجملة والتفصيل.

    لقد ارتبطت نشأة الحركة الثقافية المحلية باختلالات متعددة، ذات صلة بعلاقات الداخل بالداخل وعلاقات الداخل بالخارج. وحمل المشهد الثقافي تشوهات أخذت تتعاظم وتكبر مع الزمن مثل كرة الثلج، مما عمل على تفويت فرص نمو حالة ثقافية محلية معافاة، وقلل من إسهام الحياة الثقافية في بناء الدولة وحركة التنمية.

    هذا المناخ صاحبته حالة من التهميش والنبذ، مارستها أطراف متعددة على مدى أجيال من الحكومات، يضاف إليها اليوم حالات متتالية من الإقصاء والتهميش داخل مجتمع الكتاب والأدباء والمشتغلين بالثقافة، تحت مظلة طائفة من العناوين.

    في المحصلة، تثبت المعارك الانتخابية الصغيرة تضاؤل حجم المؤسسات الثقافية المحلية، وتشير بوضوح الى حالة الثقافة والمثقفين، الذين لم يتمكنوا بعد من إنجاز دورهم الحقيقي والتاريخي في إنضاج الإطار الثقافي للدولة الأردنية، وهي مهمتهم قبل غيرهم.

   الوجه الآخر لهذه المحصلة يبدو في عجز مجتمع المشتغلين بالثقافة عن استثمار حالة الانفراج الديمقراطي وتوظيفها لمصلحة حياة ثقافية معافاة، تنمو في ظل مؤسسات مستقرة وفاعلة، ترعى الإبداع والمبدعين وتصنع نجوميتهم، التي هي بالتالي جزء من سمعة الدولة وهيبتها، بل استخدم الخطاب الديمقراطي للإقصاء المتبادل والوأد الثقافي وقتل روح الاختلاف.

    على الهيئة الإدارية الجديدة للرابطة، بغض النظر عن لونها، أن تخلع الثوب الأيديولوجي البالي، وان ترتقي بالرابطة الى مستوى انشغالات الحياة العامة الأردنية في سياق الدور الطليعي والعضوي للثقافة ومنتجيها، مع الأمنيات أن تكون هذه آخر جولة في صراع بقايا الفصائل الأيديولوجية.

[email protected]