سلاح اسمه...

أواخر أيلول المنصرم، نظمت  كلية الإعلام والعلاقات العامة في جامعة جورج واشنطن، بالتعاون مع محطة التلفزة الإخبارية "سي إن إن" لقاءً خاصاً جمع أبرز أعمدة الدبلوماسية الأميركية على مدى حقب مختلفة، ضم وزراء الخارجية السابقين من هنري كيسنجر وجيمس بيكر إلى وارين كريستوفر ومادلين أولبرايت وكولين باول. اللقاء، الذي عقد تحت عنوان "الرئيس المرتقب والعالم المليء بالتحديات"، طرح أمام الوزراء السابقين عدداً من القضايا التي بيّن فيها الوزراء وجهات نظرهم وما ينصحون به الرئيس المقبل لمعالجة تلك القضايا بما يحقق مصلحة الأمة الأميركية. ما تراود إلى الذهن خلال متابعة اللقاء وما لفت الانتباه فعلاً هو كيفية طرح أهم القضايا وأكثرها جدلاً وسخونة في الشارع الأميركي على مرأى ومسمع حشد كبير من الطلبة، والأهم أن من يبحث تلك القضايا هم نخبة النخبة من مخضرمي السياسة في أميركا. وفي غمرة ذلك، كانت مظاهر الشفافية والوضوح والنظام تتجلى خلف السطور أمام أعين طلبة الجامعة الذين هم نواة مستقبل أميركا، وأمام أعين ملايين المشاهدين، لتكون قوة هذا النهج أكثر فاعلية وفتكاً من سلاح نووي. لسنا في مقام إغداق المديح والثناء على ذلك اللقاء، بل في مقام النظر إلى منافع العمل ذي الشفافية والوضوح الذي يؤطره النظام والاحترام والمهنية في الحوار والنقاش وتداول وجهات النظر بمنطقية، فضلا عن محاولة العمل على تبني هذه القيم الأساسية عند قيامنا بفهم القضايا التي تمس الوطن حاضره ومستقبله. الفهم الصحيح والواضح للقضايا الأساسية وحتى الفرعية منها هو على قدرٍ هائل من الأهمية. ومن الخطورة بمكان ترك أي قضية من دون تحديد واضح وصريح من قبل ذوي الخبرة والمصداقية، فترك القضايا الجدلية من غيرما تحديد واضح يضعها في مرمى تداولات الناس التي قد تصول فيها وتجول حتى تعجن الحقيقة تحت طبقات وطبقات من القيل والقال. وهنا يأتي نهج جلالة الملك وخطواته السباقة التي هي خير مثال، فما انفك جلالته يقطع الشك باليقين من خلال خطاباته المباشرة في كل مرة يلوح فيها ظلٌ لجدلٍ في قضية تمس حياة المواطنين وسلامة الوطن. لقد شهد بلدنا عدداً من القضايا التي كان من الواجب على أصحاب الخبرة والحنكة تناولها وإيضاحها للناس من خلال أسهل وسائل الإعلام وصولاً لهم، كقضايا مكاتب البورصة في الشمال والوسط والأزمة المالية العالمية وأسبابها وتأثيراتها على حياة الناس ومستقبلهم، عوضاً عن النهج العام للدولة وكيفية النظر إلى العديد من الشؤون العامة والمسائل الإقليمية والعالمية والتأكيد على الموقف الرسمي منها وغير ذلك. من خلال هذا النهج، يتاح المجال أمام إنشاء جيل لا يرى في غير الشفافية والنظام والوضوح والاحترام إطاراً لأي حوار، بل وقبل ذلك، إنشاء جيل لا يرى في غير الحوار والإقناع بالأدلة والتفكير بمنطق وسيلةً لحل النزاعات وتعطيل فتيل الأزمات، وهو ما يعد السلاح الحقيقي والأساس الذي يلزمنا لنكون في المقام الذي يؤهلنا لتأمين مستقبل زاهر. من خلال هذا النهج، يُخلَقُ رادعٌ آخر أمام مرضى النفوس الذين يتحيّنون الفرصة على أحر من الجمر لتشويه الحقائق والعبث بمعتقدات الناس وأفكارهم والهزء بأشواقهم. نحن أمام فرصة حقيقية لتعزيز ولائنا لبلدنا الذي "في حجم بعض الورد إلا أنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصبا...". فالأردن قوي بقوة وإرادة شعبه إن أصرّ أبناؤه على تحقيق التغيير الإيجابي فيما يحتاج إلى تغيير وتطوير. المرحلة الحالية قد تبدو أفضل من كثير من المراحل التي مر بها الأردن، وهي فرصة لنستغلها بذكاء، مؤسسات وأفرادا، فالمستقبل المشرق أمامنا فاتحاً بابه على مصراعيه. اضافة اعلان

malayyan@alghad.jo

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا