تباينت وتعدّدت تعريفات ثقافة المنظمة، تبعاً لثقافة وخلفية الباحثين وبيئاتهم. فمنهم من عدّ ثقافة المنظمة بأنها مجموعة القيم والافتراضات والمعتقدات والمفاهيم التي يتقاسمها جميع منتسبي المنظمة، وتكون أساساً لأعمال المنظمة وأنشطتها. وأضاف آخرون إلى التعريف السابق اللغة والرموز والشعارات والتوقعات، في حين ركّز آخرون في تعريفاتهم لثقافة المنظمة على اللباس وعلى المباني والشعارات. ومزج آخرون بين الأنماط الفكريّة والسلوكيّة، بما يدعى النسيج الثقافي الذي يوازن بين العقل والعمل. وعدها آخرون بأنها السبيل لحل جميع الصراعات داخل المنظمة، وهي وسيلة التعامل الفعالة مع البيئة، وهي الإدارة التي تسخّر لتحقيق ذات المنظمة.
ومن سمات ثقافة المنظمة؛ وضوح الأهداف، التكامل بين الدوائر والوحدات المختلفة، الحريّة في خلق الأفكار الجديدة وتحمل المخاطر، تقبّل المبادرة الفرديّة وتقديرها، وتوافر الرقابة الداخليّة والخارجيّة للمنظمة. ويُعد التغيير من أبرز سمات ثقافة المنظمة، لأنه المدخل الرئيس إلى التطوير ومسايرة جميع المستجدات المعاصرة، وقد يكون بشكل متدرّج أو بشكل سريع.
ومن شأن هذه السمات أن تقود إلى الإبداع الذي يتطلّب الكثير من الإتقان، وهذا لا يتحقق إلا من خلال "ثقافة منظّمية" قويّة مختمرة في عقول قيادات ومسؤولين يشجعون الإبداع والمبدعين؛ إذ يُعد الإبداع متطلّبا رئيسا من متطلّبات نجاح وبقاء واستمراريّة أية منظّمة، لاسيما فيما يشهد العالم حالياً من تحدّيات معاصرة.
إنّ المنظّمة المبدعة لا بد أن تتصف ثقافتها بالشموليّة والتجذّر والعمق والرسوخ لدى أفرادها وعلى جميع مستوياتها الإداريّة، ويتقاسمها الجميع ويؤمنون بها. لذا، لا يقتصر دورها على الإبداع والتغيير والتخطيط الاستراتيجي، بل يتعدّى ذلك إلى الجودة والعمل على تحسين وتطوير النوعيّة، التي جاءت نتيجة التحدّيات العالميّة المعاصرة؛ مثل العولمة والانفتاحات الاقتصاديّة، والتقدّم التكنولوجي وشبكات المعلومات، وظهور منظّمات المواصفات العالميّة (ISO)، ومنظمة التجارة العالميّة (WTO).. وغيرها. وهذا أوجب على المنظّمات كافّة انتهاج أسلوب علمي واقعي بهدف البقاء والتميّز والمنافسة، واستثمار الطاقات الإنسانية الفاعلة لتحقيق أداء أكثر فاعليّة.
وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن أكثر المنظّمات نجاحاً وذات الربحيّة العالية والمردودات الماليّة المميّزة هي التي تتّصف بمواصفات ثقافيّة قويّة، مثل المنتجات ذات الجودة العالية، والحصّة السوقيّة الواسعة، والعملاء والمزوّدين من الذين لديهم مصداقية عالية. لذا، فإن تحقيق الجودة يعود إلى ثقافة المنظّمة، التي تتطلّب التميّز والتفوّق في الأداء، وهذا سيعمل على بلوغ أهداف المنظّمة وبدرجة عالية من الإتقان.
*رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط
Yacoub.Nassereddien@alghad.jo