مع قطر والإخوان.. أم ضدهم؟

ما إن أعلنت السعودية والبحرين والإمارات قرار سحب السفراء من قطر، واعتبار السعودية تنظيم "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية، حتى بدأت الأسئلة حول معنى القرار ودوافعه، وحول مستقبل العلاقة بين الدول الأربع المذكورة، وربما أضيفت إليها مصر، وعن العلاقة بين هذه الدول والإخوان المسلمين؛ وأسئلة بشأن مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومستقبل الإخوان المسلمين، وحركة "حماس". لكن السؤال الذي لم يسأله أحد تقريباً، هو عن موقف الشارع العربي مما يحدث؟ اضافة اعلان
في تحليل القرارات، يمكن قول أشياء كثيرة، بدءا من أنّ التحالف التاريخي الذي كان يوماً بين الخليج والإسلاميين، وتحديداً الإخوان، انهار. فتاريخيا، كان هناك تحالف خليجي-إخواني، في سبيل الوقوف بوجه الناصرية، والاشتراكية، والشيوعية، وكل التيارات الثوريّة العلمانية التي كانت توجد في الشارع العربي أو حتى في العالم الإسلامي. وكانت الولايات المتحدة الأميركية، تدخل أحياناً، حليفاً ظاهراً، وأحياناً مستتراً في هذه العملية، وخصوصاً في زمن الحرب الباردة مع "الشيوعية". وفي مراحل، كادت تنمحي الخطوط بين الإخوان المسلمين والسلفيين ذوي التبعية السعودية، ومن ذلك أنّ عبدالله عزام، رمز الجهاد العربي في أفغانستان، والمبارك من واشنطن، هو إخواني مرموق، ويُعتَقَد أنّه ساعد في تأسيس حركة "حماس"، ذراع "الإخوان" الفلسطينية. وكانت مجلة "المجتمع" الصادرة في الكويت بصحفيين إخوانيين، تناصر كل جماعة إسلام سياسي في العالم، مهما كانت.
وبعيد الثورة التونسية، ذهب راشد الغنوشي، القيادي الإخواني، إلى واشنطن، والتقى مسؤولين أميركيين، وزار مراكز أبحاث أميركية مناصرة لإسرائيل، أحدها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فزلّ لسانه بأنّ دور الأنظمة الملكية في التغيير ليس بعيداً. وقد حاول تدارك الأمر بعد تسليط الصحف السعودية الصادرة في لندن الضوء على حديثه، واتهم مساعدوه من وصفوهم بأنّهم "الصهاينة"، أي الذين التقاهم الغنوشي في المعهد، بتحريف كلامه؛ فرد هؤلاء بنشر تسجيلات اللقاءات. لكن هذا لا يعني أنّ الإخوان كان لديهم مخطط للعمل في السعودية والخليج. وربما كان يمكن لإخوان مصر تحييد أي إخوان في الخليج، لطمأنة أنظمة الحكم هناك.
لكن الموقف السعودي-الإماراتي رفض الإخوان لثلاثة أسباب؛ أولها، أنّهم القوة المنظمة الوحيدة التي ظهرت بعد "الثورات". وبما أن أي تغيير، وكل فكرة الثورة مرفوضة، فقد كان طبيعياً التركيز على رفض الإخوان. ولو كان هناك تيار ليبرالي علماني مستقل قوي، لجرى شمله بالغضب، وربما جرى "تكفيره". والسبب الثاني، هو الدعم القطري. فالخلافات السعودية-القطرية السابقة، لم تَبرُد. وإذا كانت الرياض أزعجها استخدام "الجزيرة" أداةً ضدها، فإنّ تحالف "الإخوان" مع الدوحة كفيلٌ بتعميق مخاوف تحولهم يوماً إلى أداةٍ أخرى. وعززت انتقادات الشيخ يوسف القرضاوي للإمارات هذه المخاوف. أما السبب الثالث للغضبة، فهو البراغماتية المتبادلة الأميركية-الإخوانية. فالبيت الأبيض تبنّى التعايش مع أنظمة الإخوان، وراهن أنّ دخولهم السلطة سيفرض عليهم مرونة، تجلّت فعلا في مناسبات عدة؛ سواءً بالتعاطي مع صندوق النقد الدولي، أو بشأن إسرائيل، وهو ما يعني وجود دول راعية للإخوان في الخليج (الراعي المصري) المقبول أميركيّاً. بكلمات أخرى، الإخوان قوة منظمة كبرى، لها شعبية، وتحظى بدعم مالي ولوجستي قطري، وتَقبُّلٍ أميركي، وهذه "خلطة" مخيفة.
العلمانيون العرب، وخصوصاً المنضوين في تنظيمات وتيارات، شامتون في الأغلب الآن بالإخوان وقطر، ومن هؤلاء الجناح المؤيد للنظام السوري، أو للمشير عبدالفتاح السيسي في مصر، أو الرافضون للإخوان عموماً. ويعلم علمانيون أن التقاء مواقفهم مع الرياض وأبوظبي لا يعدو عن كونه مؤقتا وتكتيكيا، أقل قوة مما كان بينها والإخوان يوماً.
قطر التي يأخذون عليها دعم الإخوان، تدعم علمانيين ويساريين أيضاً وتستضيفهم، ولكن الأثر الآنيّ لهؤلاء محدود. وقطر الداعمة "للإخوان" على علاقة استراتيجية مع واشنطن، والسعودية والإمارات ليستا على خصومة استراتيجية معها، والإخوان خسروا كثيراً من شعبيتهم يوم كانوا بالحكم، وهناك طوفان إعلامي قوي ضدهم. وبالتالي بعد كل هذا، طبيعي أن لا يسأل أحد أين يقف الشارع العربي مما يحدث؟ وطبيعي أن نفترض أنّ الشارع العربي ربما لا يتبنى موقفاً، وأنّ حالة النشوة بالثورات العربية في بداياتها تحولت إلى حالة إحباط وحيرة.