ملف الثقافة في أمانة عمان يا دولة الرئيس

كان ثمة تقليد تقديم- في تلك العهود التي كان فيها الحاكم العسكري- حيث كانت الحكومة ملزمة أن تردّ على كل ما تنشره وسائل الإعلام من أخبار أو آراء أو تحليلات تتصل بالحكومة أو بعض أجهزتها وأدائها.. أما الآن فلم نعد نقرأ شيئا من هذا القبيل، حتى اضطررتُ يوما أن أكتبَ مقالةً أصف فيها الحكومة بأذن من طين وأخرى من عجين.. وأيضا لم تستجب الحكومة لشيء.. وها إني أكرر يا دولة الرئيس ذلك مرة تلو المرة حتى يستجيب أحد.

اضافة اعلان

 سقتُ هذه المقدمةَ الطويلة يا دولة الرئيس عطفاً على عدد من المقالات تناولنا فيها أمانة عمان وأداءها، ولم يرجع منها غيرُ الصدى.. مع أننا نحن أهالي عمان من يمولُ الأمانةَ ورواتبَ موظفيها وموظفاتها الذين فوق الاحتمال عددا (!!!) ونفقات مشروعاتها وجسورها وطرقها... الخ. ويحق لنا كدافعات ضرائب ودافعين أن نحاسب، وأن نطالب بالشفافية والإنفاق الرشيد وتطوير الذائقة الجمالية والرؤية الحضارية.

 إن عمان مدينتنا وعاصمتنا.. ونحب أن نباهي المدائن جميعا بها، وأن تصبح مدينةً حقيقيةً وعاصمةً حقيقيةً، لا مجرد تجمع سكاني ضخم لا يلضمه خيط ولا تدب فيه روح، أما الخيط وأما الروح فهما الثقافة.. إذ إن مدينةً لا تكون الثقافة هي عصبتها الحي النابض، ليست سوى قرية كبيرة.. إن الثقافة (وهل أحتاج إلى هذا التذكير البدهي؟) هي التي تضع المعنى في الحياة، لأنها حقل الجمال والفنون، التي تصقل النفس وتشذب الطبع وتفسر القيم وتقترحها، وليس تخطيط المدن وتخطيط الشوارع وقوانين السير وقوانين البناء... الخ، سوى لهوٍ تافه بالحجارة والاسمنت، إن لم تشرفْ عليه وتعانقه رؤيةٌ ثقافيةٌ وتطلعٌ معرفيٌ وتعطشٌ روحي..

من هنا إصرارنا على الثقافة في البلديات.. ومن هنا فجيعتنا في الأداء الأخير للأمانة. فأمانة عمان ابتداء فعلت خيرا منذ الأمين الأسبق الدكتور ممدوح العبادي عندما استحدثت الدائرة الثقافية تلتها أو سبقتها مجلة عمان، ثم بيت الشعر ثم بيت تايكي ومجلته تايكي.. وهذا كله جميل.. ولكن..

رأى معالي الأمين... من باب اهتمامه بالثقافة حتما- أن يستحدث وظيفتين كبيرتين: مساعد أمين لشؤون الثقافة وشؤون أخرى كثيرة (منها الرياضة!!) ومدير تنفيذ ثقافي. وكنا نمنّي النفسَ أن يختارَ لهما من الوسطِ الثقافي من عُرِفَ بألمعية الرؤيا وعمق الرؤية وطول الباع في الثقافة.. غير ان ما تم لم يكن كذلك...

فمع الاحترام الإنساني لمن وقع الاختيار عليهما، إلا أنهما بعيدان عن الثقافة والشأن الثقافي (فنحن نعرف جميع أهل الدار معرفة عيانية خبيرة).. فالثقافة ليست كتاباً نقرأه، بل هَمٌ نخالطه ويخالطنا ومراسٌ واختصاص... ومجرد كتابة في الصحف لا تعني شيئا.

 لم نكن نحتاج إلى تمثيليةِ امتحاناتٍ ومقابلاتٍ ولجانٍ وقوائمَ مختارةٍ من المتقدمين والمتقدمات (على نطاق الأمانة فقط)... ليكون المولود خداجا.

إنني من على هذا المنبر يا دولة الرئيس أطعن في هذه التعيينات التي لا يسندها منطق قوي من النزاهةِ والشفافية والعملية، لسبب بسيط أن حتى اللجان لم يكن أعضاؤها من أهل الشأن... وإذا لم تكن الأمانة قد وجدت من داخل الأمانة ما يكفي عددا للتنافس، فعليها أن تفتح الوظيفتين لخارج الأمانة.

 لقد تعبنا من كثرة ما نادينا أن يعطى الخبز لخبازه... فهل من مجيب يا دولة الرئيس؟

zulayka.abureesheh@alghad.jo