هذه الحكومة تشتغل بشكلٍ صحيح في محاربة الفساد، التي سترسّخ دولةَ القانون، وتصون أركانها. فأن يهلعَ (الفاسدون المحتَملون) من المساءلة والقضاء، ولا يجدوا عباءة يتلطّونَ تحتها من تطبيق القانون، فذلك نصرٌ عظيمٌ يُسجّل للتّنسيق البارع والذّكيِّ بين القصر والحكومة. إذ إنّ أيّ تلكؤٍ في هذا الاتجاه كان سيكلّف البلاد من القلاقل والافتتان الشيء الكثيرَ ولكانت ستصل أزمة البلاد إلى طريقٍ مسدودةٍ.
الملفّ الموازي لملفّ الفساد والاقتصاد، الذي ينبغي العمل عليه بسرعةٍ وفاعلية هو ملفّ التّعليم. فلقد انقضى نصف قرنٍ على تسلّل الأيدولوجيين إلى مناهج التّدريس وإلى جهاز التّربية، فأوسعوهما إفساداً وإغراقاً في الأوهام والتهويمات، وفي التّنظير الحزبيّ الحرفيّ لإيجاد قطعانٍ ضيّقة النّظر، شديدة الرّيبة بالعقل والاجتهاد والتّطوّر، مرحّبةٍ بالعنف تحت ستارٍ من القُدسيّة، متسلّحةٍ باستعلاءٍ شوفينيٍّ طائفيّ وجندريٍّ، قليلةِ الحظّ من الإبداع والانضباط واحترام القانون، اتكاليّةٍ وعبءٍ على الدولة ومعنيّةٍ بالشّكل دون مضمونٍ حقيقيٍّ. لقد نجح الإخوان المسلمون تحديداً في التسلّلِ إلى أجهزة التّربية والتّعليمِ، وصبغ (مدخلاتها ومخرجاتها) بصبغتهم الحزبيّة، بحيث تحوّلت الأجيال منذ ستينات القرن الماضي إلى مشروعِ أعضاءٍ في حزبِ الإخوان، بما تحملُه من أفكارٍ عن الحياة والآخر والتّفكير الحرّ والمقيّد، وطريقةِ التديّن القائمة على حَرْفيَّةٍ شكليّةٍ، هجرتْ روحَ الدين ومعناه، وعلى تعصّبٍ أعمى (والتعصّب لا يكون إلا أعمى!) ينفي الآخرينَ والمختلفين.
إنّ مراجعةً سريعةً وأوليَّةً لكتب التّدريس (وأحيلُ تحديداً إلى كتب اللّغة العربيّة) ستُفضي إلى استطلاع المادة التي تدخل رؤوسَ بناتنا وأبنائنا، كمّاً ونوعاً. وسنتعرّف إلى أحد العناصر فحسب في تكوين عقول الناشئة واتجاهاتها وأخلاقها وأفكارها ومبادئها. وسيُصاب كثيراتٌ وكثيرون بالهلع إلى العجب والدّهشة!!!
ولذا، فينبغي أن يصاحبَ القضاءَ على الفساد الماليّ والإداريّ قضاءٌ على الفساد التّعليميّ الذي رتع في البلد ما يزيد على نِصف القرن، وصنعَ لنا ما نراه اليوم في الجامعات من مظاهر مثيرةٍ للقلقِ، وفي أجهزة الدولة ما يدعو إلى الذُعر والجزع!
هذا الإصلاحُ لهذا الفساد – في رأيي – (ورأيي مبنيٌّ على المعايشة الحيّة والبحث العلمي لما يقارب نصف القرن!!) هو أحد أهمّ الملفات إلحاحاً للبدءِ في مسيرةٍ حقيقيّةٍ نحو الديمقراطيّة والاستقرار الأمنيّ ومحاربة الجريمة؛ تلك التي في المحسوس وتلك التي في المعاني!!!!
دعونا لا نفقد الأمل...
zulauka.abureesheh@alghad.jo
