نزهة المشتاق في التكسي

أمضيت رحلة عظيمة قبل يومين من وسط البلد إلى الجامعة الأردنية، ثم العودة، بالتكسي. وهي رحلة تصلح أن تدرج في أدب الرحلات والمغامرات.
يفرض عليك السائق الاستماع إلى مغامراته ونصائحه، ويجب أن تتفاعل معه أيضا، بالحديث والإشارة والنظر والإجابة عن أسئلته المشوقة والتفاعلية. يسير بسرعة 24 كيلومترا في الساعة، ويقف عند كل مواطن واقف على الرصيف يعرض عليه الذهاب إلى الجامعة معنا، ثم يحدثك عن تجاربه مع الركاب. والله كان معي راكب ذاهب إلى الجاردنز، هاه؟ وكان صاحب التكسي طلب مني أن أحضر السيارة بعد ربع الساعة إلى وادي السير، هاه؟ ورأيت شابا واقفا، سألته وين رايح؟ أين تتوقع يريد أن يذهب؟ كان يريد أن يذهب إلى عمان مول، هاه؟ أخذته معي، ثم وجدت شابا ذاهبا إلى خلدا، هاه؟ كلهم ذاهبون في طريقنا، والشاب الأول كان مبسوطا لأني وجدت ركابا آخرين، والله إنه ابن حلال، ويجيب الرزق.اضافة اعلان
 ووجدنا شابا ذاهبا إلى بيادر وادي السير. قلت للمرة الأولى: ولكن كم صار عدد الركاب؟ آه، سألتني، الشاب الأول كان نزل، وفي البيادر، هاه؟ وجدت رجلا عجوزا كان تائها، ركب الباص ونزل بعيدا عن بيته، فأوصلته إلى بيته، ثم ذهبت الى صاحب البيت في وادي السير، هاه؟ وأعطيته السيارة.
أنت إلى أي كلية ذاهب في الجامعة؟ أنا ذاهب إلى منطقة الجامعة، إلى الكلية العلمية الإسلامية -أين تقع هذه الكلية؟ -في حي الجامعة. -يعني عند الجمعية العلمية الملكية؟ لا لا، إذهب إلى ضاحية الرشيد، وأنا أدلك على الطريق. -طيب هاي مش الجامعة. -الحي اسمه حي الجامعة، لو أنك يا سيدي تسرع قليلا، لتكن السرعة 40 كيلومترا على الأقل، الشوارع تخلو من السيارات والناس. -بالفعل اليوم البلد رايقة، والله لازم أروح اشتري غيزر، هاه؟ تعرف؟ البلد والله راكدة لولا العراقيين، هم اللي محركين السوق، أعرف واحد تاجر سيارات، هاه؟ طلبوا منه جماعة الصدر يشتري لهم سلاح فاعتذر، من سمع الحوار؟ المراسل الذي يحضر الشاي والقهوة، شو عمل؟ اتفق مع جماعة الصدر على شراء سلاح وصار مليونيرا!
بدأ ينظر حوله للمرة الأولى منذ خمس وأربعين دقيقة، فقد كان مركزا على عينيّ ويريد أن يتأكد أني استمع وأنظر إليه وأهز رأسي، وكلما قال هاه؟ أتساءل بشوق عظيم لتكملة الحكاية. والله هذا العالم من أصحاب هذه السيارات مو سائلين لا عن فقر ولا عن دنيا، هاه؟ لكن والله فيه ناس تضرروا كثيرا، انظر! يزفّتون الشارع، اليوم سينشرون بالأخبار عن افتتاح الشارع! هاه؟ عبدالرؤوف الروابدة كان مقيما هنا في الضاحية، لكن رحل.. بدأت أشعر بانهيار وخشيت أن يغمى عليّ، خلاص وصلت يا سيدي، ونزلت وأكملت الطريق مشيا على الأقدام لأكثر من عشرين دقيقة، ولكني شعرت أني أعتقت نفسي.