يتساءل الكاتب الاسرائيلي المعروف داني روبنشتاين، في هآرتس، "لماذا يتوجب على حماس أن تعترف باسرائيل؟" ويقول ان ما تواجهه حماس اليوم قد واجهته منظمة التحرير من قبل: طلب منها ان تغير ميثاقها، وتعترف باسرائيل، وتتخلى عن حقها في استخدام العنف، ولبت كل هذه الطلبات، والنتيجة يعرفها الجميع.
يتناول روبنشتاين في مقاله تفاصيل التوسع الاسرائيلي الاستيطاني حول القدس، ما يقضي على أي أمل ان تصبح القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وفي اجزاء أخرى من الضفة الغربية، ما يبعث برسالة واضحة لحماس تقول انتم تلبون شروطنا ونحن نقضي على طموحاتكم الوطنية .
ليس في هذا القول أي جديد، ولكن اهميته تكمن في صدوره عن كاتب ومحلل اسرائيلي مؤثر، الامر الذي يشكل اعترافا بعبثية اسلوب التفاوض المتبع حتى الآن. فقد سارت اسرائيل عبر تاريخ المفاوضات التي بدأت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، على نهج واحد: ابتزاز التنازلات من الجانب الفلسطيني وتخفيض سقف الوقف الوطني الفلسطيني، من دون تقديم اي شيء بالمقابل من جانبها، بل وبمضي تنفيذ المخططات الاسرائيلية التوسعية على الارض المحتلة لخلق وقائع غير قابلة للالغاء عند الحديث عن اية تسوية نهائية.
للمزيد من التوضيح لا بد من الاشارة الى ان اسرائيل في كل قرار من قرارات الامم المتحدة، وفي كل اتفاق تم بينها وبين الفلسطينيين، قبلت بما يخدم مصالحها ويتلاءم مع مخططاتها وتركت الباقي.
القرار 242 الذي صدر عن مجلس الامن عام 1967 نص على القبول بإسرائيل بحدودها التي كانت قائمة حتى 4 حزيران 1967 مقابل تخلي اسرائيل عن الاراضي العربية التي احتلتها بعد ذلك التاريخ. كانت النتيجة تحقق جزء من القرار على أرض الواقع، الذي اعتبر حدود اسرائيل الشرعية هي حدود الرابع من حزيران، واصبحت تلك حقيقة مسلّما بها، لكن اسرائيل لم تنسحب من فلسطين والجولان، ومثل هذا التطبيق الانتقائي والجزئي للقرارات والاتفاقات حدث بالنسبة لأوسلو وما تفرع عنها.
في خضم السجال ووسط ضجيج الدعاية المكثفة المغرضة تدفن حقائق مهمة، من ابرزها ان من ينسب لحماس التصلب وعدم المرونة، والعجز عن فهم لغة المجتمع الدولي، والاصرار على مواقف أضرت بالشعب الفلسطيني ولقمة عيشه وأمنه، يتجاهل ان الشعب الفلسطيني هو الذي انتخب حماس بعلم منه بمواقفها هذه، ويتجاهل ان حماس سعت بكل جدية لبناء حكومة وحدة وطنية مع فتح والفئات الاخرى ولم تجد من يتعاون معها، ويتجاهل الحصار المطبق ومنع وصول اية اموال لحكومة حماس، ويتجاهل ان الاهداف الخافية كانت ابعد مرمى من الشروط المعلنة - الاعتراف ونبذ العنف وقبول الاتفاقات-.
فالاهداف الخافية هي اسقاط حماس وافشال مهمتها والعودة بالتاريخ للوراء لدوامة التفاوض العبثي.
بطبيعة الحال هذه الحجج ذاتها هي التي ترددها حماس للدفاع عن مواقفها وعن رفضها الاعتراف الصريح، وبدلا من التعامل مع هذه الحجج على اساس محتواها وصحة ارتباطها بتجربة المفاوضات حتى الآن، بدلا من ذلك فإنها حجج مرفوضة صادرة عن طرف تنقصه الخبرة، وليس له هم سوى التشبث بالسلطة على حساب كل شيء يتعلق بالمصلحة الفلسطينية السياسية او الحياتية من وجهة نظر الفريق الخصم فتح والمجتمع الدولي.
اسوأ ما في الامر ان المطالبة باعتراف حماس باسرائيل اصبحت محور الصراع بين الرئاسة الفلسطينية وفتح من جهة وحكومة حماس من جهة اخرى. ففي تجاهل كامل لعقم عمليات التفاوض السابقة مع منظمة التحرير ومع فتح ومع الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات, والحالي عباس مع كل ذلك نشهد هذا الاصرار على الاعتراف باسرائيل كشرط لحكومة "وحدة وطنية" فلسطينية، ونسمع الرئيس الفلسطيني يعلن في الجمعية العامة للامم المتحدة ان اية حكومة فلسطينية أتية يجب ان تعترف باسرائيل.
ومثل هذا الاصرار لا نراه ينطلق من اسرائيل ذاتها، وليس خافيا ان اسرائيل ليست قلقة على هذا الامر، لأن الاصرار على عدم الاعتراف هو خيارها الافضل كونه يريحها من اية مسؤولية باتجاه التفاوض، فيما لو تحققت شروطها وشروط المجتمع الدولي.
أما اذا حصل الاعتراف فلن يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لاسرائيل ايضا، لأنها تملك قائمة مطالب طويلة تتبع الاعتراف، كتعديل الميثاق، ميثاق حماس، وجمع سلاح المنظمات الارهابية والارهابيين، وتسليم من غرقت ايديهم من الفلسطينيين بالدم الاسرائيلي وغير ذلك من الشروط التي لا نهاية معروفة لها.
السؤال اذن: هل اعتراف حماس باسرائيل هو العقبة الاخيرة في طريق تسوية جاهزة للصراع العربي الاسرائيلي او الفلسطيني الاسرائيلي؟ اذا كان الامر كذلك فإن على حماس ان تزيل هذه العقبة، وتعترف، وتسمح للسلام الذي ينتظر خلف الباب ان يدخل للمنطقة، وينهي حالة النزاع والصراع هذه.
اما اذا كانت قضية الاعتراف من عدمه هي المدخل لدورة جديدة في حلقة العبث التفاوضي فمن حق حماس المطالبة باطار جديد يضمن التبادلية في اعلان المواقف، ولا يظل المطلوب من الجانب الفلسطيني فقط.
سفير الأردن السابق في الأمم المتحدة