أردنيون يعتلون قمم العالم

لم يخل الأردن يوما من عقول نيرة تضيء كل مكان تحل فيه، فتميز شبان وشابات أردنيون عبر السنين بإبداعات تحدث عن بعض منها العالم أجمع.
مع ذلك، تظل القاعدة، وللأسف، أن المبدع الأردني مايزال يعتمد على إمكاناته وجهوده الفردية، لأنه قلما يجد، إن وجد أصلاً، جهات معنية تقدم له الدعم اللازم لإكمال مسيرته البحثية، والإبداعية عموماً، في أي شأن كان!اضافة اعلان
وإذ يبقى هذا خللاً خطيراً، فإن هذه الفردية هي ما تجعلنا أكثر انبهارا واحتراما لإنجازات أردنية مميزة على مستوى الإقليم والعالم، جاءت متتالية خلال الأيام القليلة الماضية، فكانت أياما أردنية عن حق؛ بطاقات استثنائية تجوب الدنيا لتحكي قصص نجاحها.
شباب كما أطفال لم يسمحوا لعقبة بقطع طريقهم نحو تحقيق طموحاتهم وأحلامهم المشروعة، فتغلبوا على كل المصاعب بإصرارهم ومثابرتهم، حتى الوصول إلى قمم النجاح. فرفعوا اسم الأردن عاليا في مجالات متعددة متنوعة؛ الرياضيات والعلوم والرياضة، مقدمين الوجه الحضاري الأسمى لبلدهم، باعتباره مركزا للمبدعين والعقول النيرة على مستوى العالم.
الإنجاز الجديد، ولن يكون الأخير حتماً، الذي أضيف إلى سلسلة انجازات سبقته، كان فوز الباحث الأردني في علم الجينات والوراثة سديم قديسات (28 عاما) بالمركز الأول في برنامج “نجوم العلوم”، محققاً بذلك حلمه الكبير، علميا وإنسانيا، بتخفيف آلام مرضى السرطان عن طريق جهاز يعمل على إسقاط العينات في المختبرات الجينية بالمستشفيات بشكل آلي، مما يوفر على المرضى كثيرا من العناء والوقت والتكلفة.
وربما، للأسف مرة أخرى، لولا برنامج “نجوم العلوم”، لما كان ليعرف هذا الباحث المميز أحد، ولما وجد الدعم في حضن وطنه كما يجده في الخارج!
قبل فوز قديسات بأيام، كان الطفلان الأردنيان سولاف عبدالنبي ومروان جوينات يصنعان فوزا باهرا آخر في مسابقة “UCMAS” العالمية التي أُقيمت في دبي. حيث حظيت سولاف بلقب البطل “Grand Champion”، لتكون أول عربية تحصل على هذا اللقب منذ انطلاق المسابقة قبل 21 عاماً، فيما نال مروان لقب “الوصيف الأول”.
ولا تتوقف الإنجازات هنا. فقد حازت المهندسة الأردنية الريادية هدى الحسيني قبل أيام على الجائزة الفضية في مسابقة “ستيفي” للعام 2016، وهي أرفع الجوائز التي تُمنح في مجال الأعمال عالمياً للنساء. وفي الفترة ذاتها، تفوق أردنيون بالجانب الرياضي خارجياً، سواء برياضة الـ”كيك بوكسينغ”، أو بناء الأجسام، أو المارثون الدولي.
هي إنجازات وانتصارات زادتنا فخراً على فخر، وأفرحت قلوبنا بنشامى أردنيين لم ولن تتوقف إنجازاتهم يوما. وأعادت فرحتنا ببطل لاعب التايكواندو أحمد أبو غوش، الذي حصد الميدالية الذهبية، كأول إنجاز أولمبي على هذا المستوى في تاريخ المشاركة الأردنية في الأولمبياد. وكذلك فوز 3 أردنيين بميداليتين فضيتين وثالثة برونزية، في دورة الألعاب البارالمبية 2016.
طبعاً، ويعرف الجميع، أن الإنجاز لا يأتي من الفراغ، وإنما يحتاج أسساً قوية متينة. ولذا علينا أن نعبد الطريق أمام الأجيال المقبلة، لاكتشاف مواهبها واستثمارها. وهذا يبدأ من مدارسنا التي تحتضن طلبة ينتظرون من يؤمن بهم وينمي قدراتهم، لا من يكسر مجاديفهم. وهو دور يتضافر مع دور العائلة التي عليها تحفيز الأبناء وإطلاق العنان لخيالهم وتفكيرهم.
هكذا تكون الحاجة الأولى لمبدعينا، المعروفين والمقبلين، تكاتف كل الجهود الرسمية لدعمهم، وليس الاعتماد على جهودهم الفردية فقط! كي لا يأتي يوم تخمد فيه أحلام شباب يشكلون ما يقارب ثلثي سكان المملكة.
مع اقتراب العام من نهايته، نستطيع القول إن الإبداع الأردني كان عنوانه العريض، مبشراً بانطلاقة أمل تنير لنا الطريق على مدى الأعوام المقبلة. وليس أقل من أن نرفع قبعاتنا لهؤلاء النجوم الذين أكملوا طريق الإنجاز، وشقوا طريقهم بجهدهم وإصرارهم. علهم وغيرهم يجدون حواضن ملائمة في بلدهم تؤمن بهم، لكي يكونوا فعلا استثمارا حقيقيا نبني به مستقبلنا الذي يليق بنا.