لا أملك مفردات مناسبة تصف حجم الغضب والقهر وحرقة القلب حينما شاهدت الفيديو الذي نشر قبل يومين على مواقع التواصل الاجتماعي للفتى الذي يعاني من مرض متلازمة داون، وهو يتعرض لأبشع أنواع الخوف والترهيب من شاب انعدمت الانسانية في قلبه فأطلق كلبا يخيف به الفتى.
الشاب المريض كان يستنجد ويبكي طوال الوقت ويتحرك يمينا ويسارا هربا من الكلب الذي يقربه منه ذلك الشاب، يصرخ ويبكي ينادي بلغته البسيطة: “يما يما.. حرام عليكم”.. لكن الرحمة تغيب من المكان، لتستقر مكانها كل أشكال القبح والوحشية.
كل ذلك زاد من متعة الشاب عديم القلب الذي لا يمت بأي صلة للانسانية وليس لديه أدنى معايير الاخلاق، وبات يقربه منه أكثر ويستفزه ليسمع صراخه ونحيبه، ويتفنن بتعذيبه وتدميره نفسيا ومعنويا. والكارثة الكبرى بمن يقف على هذه الحادثة من متفرجين لم يظهر في الفيديو سوى صوت ضحكاتهم الكبيرة واستمتاعهم بالمشهد الذي أمامهم الذي عبر عن سادية كبيرة.
كان يتعذب ويرتجف خوفا ورعبا، ينظر حوله علّه يجد احدا يتحلى ببعض الانسانية يستنجد به، ويحميه من وحش ينهشه ويهينه ويروعه ويستهزئ به.. لكن لا حياة لمن تنادي مع وجود أناس غابت عنهم الشهامة والمروءة.
كان هنالك تقصد بالاستقواء على الفتى المصاب بمتلازمة داون لانه لا يملك القدرة على الرد او المقاومة او الدفاع عن نفسه، لم يكن يحتاج منا سوى احترامه وتقديره، احتضانه وحمايته بسبب ضعفه نتيجة مرضه، لا أن يكون مادة دسمة للسخرية، تزيد من وجعه والمه وتحرق قلبه وتؤذي كيانه وتدمره، في مجتمع يظلمه، ويضاعف مأساته.
كم ستحتمل وتسجل ذاكرة من يعانون من اعاقات، ذلك الظلم الذي يتعرضون له دوما في مجتمع يرفضهم ويقسو عليهم، ويزيد من معاناتهم. هؤلاء الذين يشعرون أكثر من غيرهم بلمسة حنان وحب حقيقي يخرج من القلب واحساس صادق، ويشعرون اكثر بكل اهانة او ايذاء نفسي ومعنوي او جسدي يتعرضون له، لتزيد من عزلتهم ورهابهم الاجتماعي!
البحث الجنائي تمكن من القاء القبض على الشخص الذي أهان الفتى المسكين، باستجابة سريعة بعد أن نشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجد تفاعلا كبيرا ممن يرفضون تلك الافعال اللااخلاقية، ويستنكرونها.
ولكن السؤال هنا: هل القانون سيكون منصفا بحق الفتى المسكين بعد أن انحفر في ذاكرته أبشع انواع الالم النفسي والاجتماعي؟
ربما عقوبة ذلك الشاب لن تكون اكثر من توقيفه لأيام، وربما تنتهي القصة في مكانها دون اجراء رادع، ولكن عقوبة الفتى المسكين كانت ترويعا كبيرا، سيضطر أن يعيشه خوفا لفترة طويلة.
الإعاقات الاخلاقية والفكرية تنتشر للأسف بكثرة في حياتنا، وما أكثر اصحابها المرضى ممن يقترفون افعالا بدون ضمير ولا رحمة او حب او شفقة.
لا أعرف حتى اللحظة ما الاجراء الذي سيتخذ. لكنني اعرف جيدا أن “من أمن العقاب أساء الأدب”.. وما أكثر من يسيئون الأدب في مجتمعنا!!