"إكسسوارات" فرح!

لكأن الأشياء فقدت طعمها، ولكأن ما كنا ننتظره بات يسقط من بين أيدينا في حياة تفقد بساطتها، بل وحتى روحها بعد جمالها.. إذ لم تعد تفاصيل حياتنا كما كانت.اضافة اعلان
في زمن مضى، كنا نشعر بقيمة الأشياء أكثر. نختبر جماليات الحياة بكل ما فيها؛ بعفوية وتلقائية. لكنها الآن تزداد تعقيدا، في وقت نبحث فيه عن كل ما يفرحنا، بصبر طويل، فيما كان الفرح سابقا يدق الباب لنستقبل بهجته من دون موعد مسبق!
هكذا، لم نكن نتابع كل التطبيقات المحلية والعالمية ساعة بساعة على هواتفنا الذكية، لتنبئنا قبل أيام وحتى أسابيع متى يهل علينا الزائر الأبيض! أما الآن، فتجتاحنا تحليلات جوية من مئات المواقع الإلكترونية، ثم في النهاية قد لا يأتينا شيء مما ننتظره.
في زمن يبدو بعيدا جدا، كانت العائلات تجتمع على نشرة الثامنة مساء لتستمع من شخص واحد ما يحمله الطقس لنا. كنا ننام لنصحو على شوارعنا وأسطح بيوتنا متوشحة بالثلج، الذي يبعث فيها بنقائه الأمل. الكبير قبل الصغير يقف أمام نوافذ المنزل يترقب زخات الثلج وهي تتهادى من السماء، كان الجميع يتصرف بوعي من دون تحذيرات تلاحقنا باستمرار.
الآن، تماما صرنا نحاكي العالم الافتراضي الذي لا لون له ولا رائحة؛ يحكم علاقاتنا الجافة الصامتة والباردة بمصالح مادية بحتة، قد تلوث كل قيمنا، أو أقلها يعزلنا عن العالم الحقيقي بأناسه الذين كانوا يجملون حياتنا. فالدعوات بكل أشكالها أصبحت إلكترونية، والقيام بكل الواجبات الاجتماعية يكون بزيارات "افتراضية" على صفحات الأصدقاء! ولم تعد أبواب بيوتنا تدق لنتفاجأ بزوار يفرح القلب ويبتسم لقدومهم.
هل تتذكرون "النخوة" التي كان يتمتع بها مجتمعنا؟! كأنها تغيب شيئا فشيئا! كيف لا وهناك من لا يحركون ساكنا أمام حوادث تحصل أمامهم، إلا بإمساكهم هواتفهم وإظهار البراعة في تصورها، لكي يحظوا بأكبر عدد من الـ"لايكات" والتعليقات، على حساب آلام الآخرين!
هذا هو عصرنا المرعب!
كانت حياتنا بسيطة. نعم بسيطة، إذ لم تكن "مكشوفة" للجميع كما هي الآن، مع وسائل التواصل الاجتماعي وكل أدواتها. وكانت هناك ضوابط تحكمنا وقيم وأخلاقيات تردنا، فلم نكن نسعى إلى توثيق كل لحظاتنا وفي طريقنا ندوس على كل شيء. ولم نكن "نتسابق" على إيذاء الغير، وتشويهه واضطهاده وتحطيمه إلكترونيا، ثم مادياً في العالم الحقيقي.
كان جرح صغير بجسد طفل صغير، كفيل أن يبعد النوم عن أعيننا. لكن مع صور الموت والدمار التي أصبحت مألوفة لدينا، لم تعد مشاعرنا تتعاطف مع ما نشاهده في بث حي ومباشر لمشاهد قتل الإنسانية، بل نتأمل مئات الصور لأطفال ونساء وشيوخ دمرتهم الحروب وحرقت أجسادهم، وبعد دقيقة ننتقل لأخبار وصور أخرى، كأننا لم نر شيئاً!
حتى الزهور فقدت عبيرها. كنا نشتم رائحتها عن بعد، وهي على أسوار البيوت. ونقطفها لتبقى رائحتها عابقة حيث نكون. وحينما نضعها بين كتبنا تخلد ذكرياتنا، نفتحها بعد أشهر ولربما سنوات، فنستعيد جمالها وبهجتها كأننا قطفناها للتو.
ما تزال الورود بيننا، بأشكالها الجميلة وألوانها الزاهية، لكنها تفتقد إلى عبقها، عطرها، رونقها. فلم يعد باستطاعتها أن تعيدنا إلى زمن الحب الجميل بكل ما فيه. ولعلنا لا نحتاجها اليوم، فالتكنولوجيا طورت أجهزة بإمكانها كشف احتمالية الحب في حياتنا، وتقنية "تقرأ أفكارنا"، و"روبوتا" يفهم مشاعرنا ويحللها.
هذا هو عالمنا الجديد الذي يسلبنا إرادتنا كما مشاعرنا التي تبدو أشبه بـ"إكسسوارات" للزينة، لا تضر كما لا تنفع، بأحسن الظروف!