إن لم تكن معي.. فأنت ضدي!

من يخالفنا هو عدونا.. من ليس معنا فإنه ضدنا.. من لا يتقاطع معنا نقيم عليه الحد! من لا يؤيدنا ليس منا.. ومن يرد علينا نعلن عليه الحرب.. ومن يبدي رأيه بما لا يتطابق معنا نجرّحه بأشد العبارات بشاعة!اضافة اعلان
تلك هي مشكلتنا الحقيقية، حينما لا نملك –في غالبيتنا العظمى على الأقل- ثقافة الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية، ونملك بدلا منها فن التجريح بأبشع الكلمات وأقساها؛ فن الإهانة ورفض تقبل الاختلاف.
نتابع ونصاب بالإحباط مما وصلنا إليه، ونحن نعيش في أوقات لم نعد نحتمل فيها بَعضنا بعضا. لا نريد أن نسمع إلا ما يمليه علينا عقلنا، خطأ كان أم صوابا، ولا نحتمل أي مخالفة للرأي. ومن ثم، تسيطر علينا ثقافة الكراهية، ورفض الآخر رفضا قاطعا.
هو، للأسف، مؤشر على مستوى الانغلاق الكبير الذي يعيشه مجتمعنا بعيدا عن الحوار، أو قبول الاختلاف بالرأي. وبما قد ينشأ عنهما من مشاكل لا تنتهي، وخلاف وقطيعة وحقد، وصولاً في حالات إلى التطرف والتحريض والانتقام. كل ذلك لأن أحدهم قال رأيا لم يعجب الآخر ولم يؤيده!
هي أمراضنا المجتمعية التي تظهر لنا عند أول حوار أو نقاش. ولهذه الأمراض أكثر من سبب؛ منها أننا اعتدنا عبر سنوات حياتنا، ومع تعاقب الأجيال، أن هناك رأيا مسيطرا على الجميع أن يؤيده، سواء اقتنع الطرف الثاني أم لا، ولا مجال للنقاش بشأنه. وربما ذلك لأن للمجتمع الذي نعيش فيه، قواعده مبنية على مبدأ “الأبوية”، أي السيطرة من الطرف الأقوى. الأب يصدر أوامره ويملي كل قراراته على ابنه، وعليه أن لا يجادله. كما لا يحق للطالب أن يتناقش مع أستاذه وإن كان رأيه صائبا، لأنه سيعتبر “شاذا” عن القاعدة، فعليه فقط أن يسمع ويحفظ! والأخت عليها أن تقبل كل أوامر أخيها من دون أن تنظر في عينيه، أو حتى تُظهر في ملامحها الرفض... وهكذا.
حرية الاختيار وإبداء الرأي، تتكون لدينا منذ الصغر. وربما تكون بأبسط الأمور التي تقودنا بالتأكيد إلى احترام الرأي الآخر مستقبلا. لكن المشكلة أننا لم نعتد حرية التعبير عن الرأي منذ نعومة أظفارنا، بل كانت أبسط الأشياء تُفرض علينا، وبقيت أفكارنا وآراؤنا مكبوتة، لا نستطيع أن نعبر عنها. وكبرنا نمارس الدور ذاته؛ نرفض الفكر الآخر ونتمرد عليه، ويظهر ذلك من خوفنا ممن يخالفنا، فننقض عليه كعدو لدود.
كنا نعول على مواقع التواصل الاجتماعي بأن تكون منصة حرة لتبادل الآراء؛ بوابة تعلمنا كيف يكون الحوار والاختلاف؛ نافذة تؤكد على مفهوم قبول الغير؛ وبالتالي مكانا لتعزيز الأفكار وإثراء المحتوى. لكن للأسف أصبحت تلك المواقع أداة تعكس ثقافة المجتمع غير المعتاد على الحوار، ومن ثم بوابة للخلاف والكراهية، والطعن بأعراض الناس، والابتعاد عن الأخلاق والضوابط المجتمعية، والتشهير بالآخرين.
لدى الكثير من الشعوب، تكون فكرة الاختلاف طبيعية في المواضيع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فيما ليس من الطبيعي “أن تكون معي.. وإلا فأنت ضدي”، بما يشكل حروبا مستمرة لا تنتهي.
لا يضر الاختلاف بأي قضية كانت. لكن ما يضر حقا ما يحصل في مجتمعاتنا. لذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة، طالما نحن كما نحن نرفض الآخر، وفق العقلية ذاتها، من دون إحداث أي تغيير حقيقي، أو قناعة بأن اختلافنا يميزنا، إن كان مبنيا على الاحترام!