التداوي من "داء الذكريات"!

الآن، كما يخبرنا علماء، صار بإمكاننا التداوي من ذكرياتنا.. المؤلمة! إذ بحبة دواء، سيكون بمقدورنا حذفها متخلصين منها للأبد، بل واستبدالها بأخرى جديدة تروق لنا!اضافة اعلان
الأدوية الجديدة التي اكتشفها العلماء، أو اخترعوها، لتستأصل من أدمغتنا تجاربنا المؤلمة، وأكثر من ماضينا الذي نود لو ننساه، سيكون بإمكاننا اختبارها عما قريب.
وتفسير عمل هذه الأدوية ببساطة، ينطلق من حقيقة أن ذكرياتنا لا تجتمع في مكان واحد. ومن ثم، فإنه بتغيير بسيط على الأعصاب، سيكون بإمكاننا التحكم بشكل الذكريات، لكأننا نغير أسلاك الكهرباء من مكان لآخر، كما نفعل بأي جهاز آخر خارج أجسادنا.
كنا نعتقد أن لا قوة على وجه الأرض تستطيع محو ذكرياتنا تماما. لكن الآن، بسهولة ودقة بإمكاننا أن ننتزعها من وجداننا للأبد، أو أقلها تجاوزها وبالتالي تجاوز آلامها التي بقيت مزمنة.
والسؤال: تُرى، كم واحدا منا يلزمه مثل هكذا دواء، عله يمسح كل ذكرى سببت له الألم سابقاً، وحرمته من أن يعيش حاضره ويتطلع لمستقبله أيضا، فصار حبيس الماضي بما يشبه عقوبة السجن مدى الحياة.
أياً يكن الاعتراض الأخلاقي، حتى المنطقي، على هكذا أدوية، فلعلها تكون الشفاء من أوجاع الحياة، بسبب ما ارتكبناه نحن من أخطاء، أو ارتكبها غيرنا بحقنا، فتوشك أن تستهلك كل أعمارنا.
كبسولة دواء تمحو خساراتنا وذكرياتنا المكدسة، بما أخذته من سنين من أعمارنا، فيما نتحكم بتواريخ نريد أن نبقيها حاضرة، أملاً في أن نتحكم بمستقبل قادم نريده حتماً أفضل من مسيرتنا السابقة الفائتة.
فذاكرتنا هي حياتنا؛ هي من ترسم ابتسامة أمل في قلوبنا قبل أن ترسمها على وجوهنا، أو هي تزرع دمعة ألم تبقى أخاديدها وتشقينا. هي بوابة دخولنا لذواتنا، وهي لذلك تكاد تكون كل شيء فينا؛ فإن نسينا الصعب منها واستذكرنا المفرح، ربما نكمل حياتنا كما يجب.
ربما ينضم الدواء من “داء ذكرياتنا” لقائمة أخرى من تقنيات وأجهزة ذكية، أصبحت تفهمنا أكثر، وتفسر مشاعرنا بدقة أكبر، وتخطط عنا وتفهمنا أضعاف ما نفهم أنفسنا، تشعر عنا وتنفذ رغباتنا، وتقرأ ملامحنا!
ما بين النسيان والذكرى مسافة كبيرة لا نقوى على اجتيازها. لذا نحن بحاجة لحبة دواء أخرى أشد قوة، تفرض وقتها علينا متى شاءت، تساعدنا على أن نحتفظ بذكرياتنا العطرة الجميلة، التي نغمض أعيننا ونبتسم حينما نسترجعها كشريط سريع، نستند عليها بما تبقى من أعمارنا.