التلاعب بأرواح أطفالنا!

فاجعة وفاة الطفل عزالدين الهرش في أحد مطاعم عمان العام الماضي، هزت الرأي العام، ويُفترض أنها ما تزال حاضرة في ذاكرة الجميع. إذ غادر عزالدين الحياة في عمر الورود، فلم يكمل عامه السادس، بسبب إهمال ولامبالاة بترك أسلاك كهربائية مكشوفة صعقت الطفل، مستبدلة جمال حياته بحسرة ووجع وألم ترافق عائلته طوال العمر.اضافة اعلان
هل كانت تلك المأساة كافية، كما يُتوقع، لدق ناقوس الخطر وضرب أجراس الإنذار، لتحفيز المعنيين والمسؤولين عن مناطق ومراكز الألعاب، لكي تكون آمنة وأمينة على حياة الأطفال؟
أول من أمس، نشرت “الغد”، في ملحق “حياتنا”، تحقيقا ميدانيا للزميلة تغريد السعايدة، بعنوان “حوادث مميتة وأمراض خطرة بأماكن لعب الأطفال”، أعاد التذكير بالأطفال الذين أزهقت أرواحهم في “مدن الألعاب”، نتيجة إهمال كبير في إجراءات السلامة العامة والحماية، يمكن تلافيها بقليل جهد.
فالكثير من هذه الأماكن تكشف عن استهتار واضح، وعدم الاهتمام بشريحة الأطفال التي تحتاج رعاية كاملة، بدافع الرقابة الذاتية والضمير الحي ابتداء لدى المعنيين، وإيمانهم بحق الأطفال في اللعب بسلام.
ونحن الآن مقبلون على صيف جديد، يجب أن يحمل فرحا جديدا، فإن الأولى بالقائمين على أماكن اللعب أن يقوموا باجراء صيانة وتفقد مستمرين، بضمير يقظ، وليس التفكير بالربح المادي فقط، على حساب حياة أطفال بعمر الزهور.
يرافق ذلك، ويضمنه، تفعيل الدور الأساسي للجهات الرقابية المعنية، التي عليها إخضاع كل مناطق الألعاب، بما فيها تلك الموجودة في المراكز التجارية (المولات)، لتفقد صارم، وتطبيق للقانون لا يعرف أي تهاون، وبما يكفل سلامة أرواح فلذات أكبادنا.
لم يعد مقبولا، إن كان مقبولا يوما، أن نعايش في كل فترة ألم فقدان طفل بطريقة ما في مدن ومناطق ألعاب، ونوادي سباحة، نتيجة الإهمال واللامبالاة بأرواح الأطفال.
في تحقيق “الغد”، لم نستطع حتماً كشف كل التجاوزات الموجودة، وضعف إجراءات السلامة العامة. لكن النظرة العامة ثبتت غياب الاهتمام بكثير جدا من تلك الأماكن، وغياب الرقابة الحقيقية عليها. ما يوجب علينا إطلاق صرخة تحذير من أن تلك الأماكن إن بقيت على حالها لن تكون مكانا للفرح.. بل للترح!
وعدا عن الحوادث القاتلة للأطفال جراء تلك الألعاب وأماكنها، فإن هناك حوادث عدة غير مرئية، أو لا تلقى الاهتمام المطلوب على الأقل، مع أنها سبب لتدمير الصحة. فمثلاً، وكما ورد في التحقيق، يحذر الأطباء من أن “بركة الطابات” التي يستخدمها الأطفال مرارا وتكرارا، تضم الكثير من الفيروسات والجراثيم والبكتيريا الضارة، والتي قد تكون من مسببات الأمراض الخطيرة جدا والمعدية على المدى البعيد، في حال عدم العناية بتعقيمها وضمان نظافتها بشكل متواصل.
مع الانتشار الكبير، خلال السنوات الأخيرة، لمدن وأماكن الألعاب في الكثير من المطاعم والمولات، يتراجع للأسف شيئا فشيئا الدور الرقابي من الجهات المختصة. مع الإشارة أيضا إلى إهمال أهال يسعون إلى التسوق أو قضاء الوقت بعيدا عن أطفالهم، فيضعونهم بالساعات في تلك الأماكن من دون رقابة، والاعتماد بشكل كلي على العاملين هناك.
ينبغي أن لا نسمح بـ”اللعب” بحياة أطفالنا، أو الاستهتار بصحتهم. وعلى الجميع أن يكونوا يدا حامية لهم بما يحفظ سلامتهم من أي أذى، ناهيك عن حماية حياتهم.
هل علينا أن نخسر مزيدا من الأطفال الأبرياء لنأخذ على محمل الجد تهديد أن المكان المخصص لفرح ولعب الصغار قد ينقلب في لحظة إلى موضع ترح وألم ووجع لا ينتهي نتيجة الاستهتار واللامبالاة؟